ولسوف أعود يا وطني - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ولسوف أعود يا وطني

  نشر في 31 مارس 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

 « يلبس المرء رداء الشعراء عندما تدب خلية الحب بالحياة , أو عندما تحتضر ويخرج ما بداخلها من أسى    »

لقد دبت خلية حبه بالحياة منذ أن أمسكته بين يديها وقبلته في وجنتيه ,منذ أن صرخ معلنا الحياة وخلاياه تنشد الأشعار ,وبعد ان أجبروه على الرحيل والابتعاد عنها بدأت خلياه بالاحتضار لتنشد الأسى والحزن .

منذ طفولته وهو يكتب في حبه الأول قصائد شعرية يتغزل بها و يروي لها بين جنبات السطور شوقه للقائها رحٌلوه بعيدا لينساها فضل قلبه أسير الشوق اليها,ما زال يتذكر تلك الليلة المظلمة التي أخرجوه فيها من البيت ,يوم أبعدوه من بين أحضان دافئة,أحضان جرب أن يبحث عن دفئ مثله فلم يجد ,مرت خمسة عشر سنة على الفراق,على صرخة الديار التي سجلها التاريخ وحفرتها الذاكرة,مازال يروي على مسامعه كل ليلة أغنية الشوق الى الوطن ويرسم في أوراق شمس و رمال ووحل الوطن, كان يدون كل ذكرى لكي تظل معه ولا تفارقه, كان يجلس أمام البحر ليتذكر كيف كانت لمسة محبوبته ليتذكر ثغرها الباسم في وجهه ويدون على الصخور عشقه و في الرمال يكتب لحبيبته رسائل آملا أن تحملها الرياح إليها...

هو يكره ليالي الشتاء التي تعتصر قلبه شوقا,تجعل مع كل قطرة مطر دموع عينيه تنزل بغزارة, تذكر وحل الوطن و بركه تذكر صوت المطر وهو بين أحضان دافئة,أين سيجد الآن الدفئ والقلب يرتعش بردا, والفؤاد لا يتحدث سوى عن شوق الى الوطن. القدر أجبره بالأمس على الفراق واليوم يجبره على احتساء مرارة الشوق وحده ,يبكي وحيدا بعيدا عن كل شيئ الا من الذاكرة . ذاكرة تلاحقه في كل مكان,لقد نسي أن الذاكرة احتفظت بفاتيحها في أماكن مختلفة خبأتها في صورة قديمة و أخفتها بين جزيئات عطر, الذاكرة وحيدة هي الأخرى تشتاق لمن يضمها بين يديه و تفتح أحضانها شوقا للماضي شوقا للذكرى, تشتاق ونحن نشتاق تأسرنا ونبكي .الدمع هو الرفيق الوفي دائما للذكرى لابد وأن تدعوه الذاكرة ليأنس حضورها, إنها تخاف أن نحرقها تخاف أن نرقص على رمادها وندفن الذكرى في مكان لم تحتفظ فيه بمفاتيحها. كان يكفي أن يراقب قطرات المطر تنزل لتدور في رأسه أسطوانة تحمل ألحانا من أعماق الوطن لترقص بين ثنايا صدره و تجعله أسير الليل يدفأ وسادته بدموعه الحارقة, بكى يومها كثيرا بكى دموع المرارة دموع الشوق ودمع آخر احتفظ به لنفسه.

أخد ورقة وقلما وخط بين سطورها جرحه ,رسم بين السطر قلبه المكلوم .. أخدت الكلمات على الورق تنزف بصمت,خط شعرا وقال بصمت بليغ :

الدفئ فارقني يوم أبعدوك عني سيدتي

السعادة نسيتها يوم ابعدوني عنك محبوبتي

الدمع والذكرى يتحرشان بي كل ليلة وأنا بعيد هنا عنك

دثريني وارسلي لي قلبك ليدفئني

وانثري بكلماتك علي سحرا يطمأنني

ياشمعة تحرق ذكراها يومي

ويشتاق روحي لذكرى ماض كنت فيه أمسي

وجسدي بغير روح فروحي هناك معك

وروحي دامعة لأنها بين الجسور معلقة

معلقة هناك بيني وبينك

ودمع عيني حارق وشوق قلبي دام

وهمس الليل طويل وبغير اسمك لا ينام

عشقت المطر يوم كنت بحضنك

والمطر اليوم يعذبني

يحرق كل خلية فيٌ

وينزل كل دمعي غصبا

أًرِيدُني بين أحضانك

وأًريدُك لِي دفئا لاَ يفارق.

ترك قلمه فوق الورقة, تركه يرتاح بعد أن ملأ كل سطور الورقة بدمه, لم تكن الكلمات حبرا ليجف,كانت دما خرج يغلي من بين عروق يده. أتَجِفٌ الدماء التي تغلي شوقا أم تحرق الورق حرقا ؟ . كان لابد وأن يكتب كان لا بد وأن يشارك أحدا حزنه وألمه,أراد أن ترثيه الحروف وتدمع معه السطور أراد البحث عن دفئ ولو كان مصطنعا ,فالحزن خيم في أعماق قلبه وعشعش في ثنايا صدره .أصبح هو والحزن واحد ,أصبح اسمه رفيق الألم وجليس الهم ولا يليق بمجلسه سوى حضور الدمع وذكرى البعاد.

حاول أن ينسى الماضي برسم حاضر مشرق له, لكن الليل سجنه في قفص الماضي , الصبح بالنسبة له ليس سوى فرصة لتنشف دموعه ويختفي احمرار عينيه, الليل عذبه والنهار كان الطريق التي تقوده الى الذاكرة, يحاول أن ينسى فإذا بالذكرى في كل مكان رغم الغربة والبعاد.

جلس في احد مقاهي العاصمة يرتشف قهوته الصباحية ,واضعا أمامه حاسوبه المحمول ,كان الجو باردا وكان نَفَسُه يتحول إلى بخار أبيض كالذي ينبعث من فنجان القهوة,عندما أنهى قهوته فتح حاسوبه .حاول أن يكمل آخر سطر من ديوانه الشعري, مسيرة سطور دامت خمسة عشر سنة ستكتمل اليوم بطبع أول دواوينه الشعرية , ديوان جمع فيه كل أحزانه و خط فيه كل أشواقه سطر بالساعات حبه الذي حرم منه ,كتب عنها وعنه وكتب عن التربة التي اشتاق ملمسها واشتاق لرائحتها, كتب عن مطر الوطن و لَحَّن صوت الشوق بالكلمات و خطَّ بين السطور تغزله بشمس الوطن ,كتب عن جمال القمر وبريق النجوم . حاول أن يكتب عن رائحة خبز الوطن و عن غدر أهل الوطن . هو لا يكره الوطن هو يكره الناس الذين وثق فيهم الوطن , منحهم الوطن سيفا لحماية أهلها فغرسوه في قلوب أحبت الوطن. كتب كل شيئ ورقت لحاله كل الحروف دمع له كل الحجر و رفعت الأحزان قبعة تحيي صموده ,تحيي فيه الجرح الذي يداويه بكتابة شعر من دم عروق عشقت الوطن . كانت دماءه تحيا على الورق ودموعه تنزف على السطور . في ذاك اليوم أكمل آخر سطور دواوينه , كتب اليوم دون أن يستعمل قلمه وسيطا , كتب آخر سطور دواوينه وخط والدمع ينسال فوق خده .

يا وطنا اشتقت اليه

أهديك آخر سطر شوق

ها أنذا أتنفس آخر أنفاسي

فأنفاسي بعيدا عنك ليست أنفاسي

ودموع الخد ترثيني هنا وحيدا تبكيني

وأنا باسم الحب أودعك وباسم الشوق أسألك

لا تبك لبعادي لرحيلي ونياحي لا تبك علي فأنا راحل اليك

تذكر دمعي يوم ترى المطر وأنيني شوقا عند السهر ووجع قلبي فجرا يطل

وأنا راحل اسأل الرياح عن رسائلي و اقرأ على الصخور مدامعي وابحث أمام البحر عني فهناك سيخبرك أني سوف أعود اليك يا وطني ...

ارسل الملف الى عنوان مكتب النشر التي قبلت بنشر دواوينه , وضع حاسوبه في محفظته بعد أن أغلقه و ذهب باتجاه سيارته , جلس ينظر في مرآة السيارة طويلا , ثم أخرج من درج السيارة ريشة وصباغة حمراء ,رسم على شفتيه شفتي مهرج مبتسم ,أعاد الريشة والصباغة الى الدرج وانطلق بسيارته باتجاه البحر. هناك توقف ثم خرج منها وتوجه الى أمام البحر يتصفحه, نزع عنه حداءه ودخل الى وسط البحر استمر في السير الى ان اختفى جسده .


  • 3

  • مينة بوتكيوت
    أُسطرُ بِقَلَمي مايَعجزُ لساني عَن قوله أَحيانا ,يترنٌَحُ يُمنَة وَ يُسرةً ليجدِدَ الولاءَ لوَرَقَة آلمها النسيَان ,يحاوِل أن يُشارِكَها أحزانَه وأفراحَه , أقِفُ وسطهُم لأبحث عن من أناَ ؟ أكتب وقلمي بينَ يَديٌَ ,أكتُبٌ ...
   نشر في 31 مارس 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا