ورقة ورد
وَلَكِن مِلءُ عَينٍ حَبيبُها
نشر في 31 مارس 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
عزيزي،
طال انقطاع خطاباتي غير المرسلة إليك، أعلم، ولك حق العتاب في ذلك، حاولت مرارًا عدم الكتابة إليك، وكان ينتهي الأمر دائمًا إلى تلك الوحدة التي لا يتمنى أي إنسان أن ينتهي إليها، الوحدة في الروح والغربة في الونس.
تحية طيبة كطيب ذكراك وبعد،
ذكرتك اليوم لنفسي -إذ لا أنساك وأنت تعلم- حين رأيت باقة وردٍ ملقاة باهمال على جانب الطريق، وبالصدفة رجل عجوز بسيط الحال يمر، فيلتقطها في سعادة نادرة، ويمضي.
ووجدتني أفكر إذا كنت بصحبتي وقتها وذهبت بخيال الشاعر داخلك إلى ما حمل صاحب تلك الباقة أن يلقيها، أترى خُذل شاب ما، أم كانت هناك ثمة فتاة، ترى أي خيبة حملت صاحبها على ذلك الفعل.
علّمتني عيناك أن تلك الخيبات تجعلنا كعودٍ عتيق، متقطع الأوتار، له رونق مهيب، مثلك، وله وتر وحيد موصول، يجعل له صوتا حزينًا، مثلك أيضًا، لم يتغير شئ منذ رحيلك، ويخيم الحزن على كل شئ، رغم اعتيادي الحزن، وأن ما مرّ من الوقت يجعله كافيًا لقتل أي حبٍ أو حنين، ورغم اعتيادي كل شئ، إلا غيابك، فما زلت أحن إليك وألجأ إلى طيفك، وما زال يؤلمني غيابك.
يقول الرافعي أن أول علامات الحُب أن يشعر الرجل بالألم وكأن المرأة التي يحبها كسرت له ضلعًا.
لم أعلم أبدًا لماذا يرتبط الحب دائمًا بالألم، ويمر مرور الكرام على الأُنس والاطمئنان والسكينة، رغم أن تلك المعاني هي جوهره الحقيقي، أشعر أحيانا وكأن المرء يتلذذ بأن يتألم في الحب، وأنه ألم له جماله الخاص، لكنه موجع في النهاية.
يا عزيزي، لم يكن كمثل وجودك شئ، ولا كمثل صوتك صوت، أظنني سأظل أذكرك للأبد، ولتنقطع وتتصل خطاباتي للأبد، واعلم أنه تكفيني حروفي إليك وإن كانت غير مرسلة، ويكفيني حنيني إليك، ولا أخفيك سرًا أصبحت أكتب لنفسي لا إليك، إذ أنّك أنا، ويتملكني شعور من الرضا بأنه لن يعود شئ كما كان، ولا بأس في ذلك.
وكل عشقٍ إذا لم يكتمل طلل وهو كذلك حتى حين يكتملُُ، لكنّ زخرفه ذو هيبةٍ جللُ، مورق الحرف فيه اليأس والأملُ، تبدو بقاياه كالقصرِ المشاد. تميم البرغوثي
-
ءالآء محمدحالمة، ولم أحلم يومًا بأقرب من القمر.