بيت فؤاد "٤" - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بيت فؤاد "٤"

لا أدري ما العبرة في كون أحلام البعض تتحقق بعد موتهم. هل يدركهم العالم بعد أن يرحلوا .. وهل يدركون هم من أصبحوا بعد أن وارت أجسادهم الثرى.. لكن أرواحهم بقيت حية وكأنهم ما يزالون بين العالم .. لكنهم مع الأسف لم يعودوا هنا!

  نشر في 24 يوليوز 2018 .

كانت قد تبقت لي أيام قليلة حتى أنتهي من العمل في بيت "فؤاد" ومغادرته ربما حتى الأبد. في صباح ذلك اليوم الذي وصلت فيه بوقت متأخر وجدت مغلفاً عند باب بيته كانت الطوابع التي عليه تشير إلى أنه قادم من بلد أجنبي "باريس". وضعت المغلف في حقيبتي ودخلت إلى المنزل وقمت كما اعتدت بتفقد الأزهار والطيور والتأمل بصور "فؤاد" التي كانت تحمل ذكرياته على كل جدار من جدران هذا المنزل.

دخلت إلى غرفة "فؤاد" تذكرته في أيامه الأخيرة وهو ملقاً على فراشه، كان العرق يتصبب من جبهته وهو يحاول أن يبلع أنينه، سأله الطبيب يومها إن كان يتألم فأجابه وهو يخنق دمعته بأنه من شدة الألم لم يعد يدرك شعوراً سواه. 

أخذني الطبيب إلى الخارج وقال لي بأن أيام "فؤاد" باتت معدودة، وأنه ربما يمسي ولا يصبح. تمنيت لو أنني قابلته منذ سنوات أنني تعرفت عليه مذ كان شاباً مراهقاً، لقد كنت أكبره بأعوام ومع هذا شعرت بأننا متقاربان جداً. 

لطالما أردت أن أختلي به أن أطلب منه أن يكتب لي أغنية عن زوجتي التي خانتني، التي تركتني في غفلة ورحلت .. لم أكن أدري يومها إن كان علي أن أقف قبالة شاب يحتضر في ربيع شبابه أواسيه على مصابه أم أقول له بأنه يرحل إلى عالم أطهر وأنقى. 

اقتربت من مكتبه وجدت دفتراً جلدياً، كان مذكراته التي تعود إلى عام ٢٠٠٨ كما كان مدوناً عليها، فتحت الدفتر على صفحة عشوائية كانت مترخة بعنوان ٠٢/٠٩/٢٠٠٨ ..

" أن تولد في مكان حكم على أحلامك فيه بالوأد شعور مزعج جداً، يجعلك تتأمل بانتمائك الأعمى لوطنيتك وقوميتك .. 

منذ وعيت على الدنيا وأنا أحلم .. لكن كان على حلمي أن يبقى طي الكتمان، لأنني أعيش في مجتمع ينحني إجلالاً للطبيب بينما ينظر بدونية للموسيقي. يعتقدون أن الطبيب فنى عمره من أجل أن ينقذ العالم .. والمهندس كذلك .. والمعلم!! 

لكن الطبيب يتخرج جزار .. والمهندس قد يقتل العشرات بعثرة، لكن الموسيقي من يحي الأرواح .. ليس له قيمة! 

إن أصعب شعور قد تشعر به هو الخيانة، أن تخون أحلامك وأنتمائك، أن تخون نفسك.. الجميع من حولك يخونك .. صديقك المقرب، شريكك. حتى دفاترك هذه قد تفشي سرك وتخونك .. أنت بالذات تخون نفسك .. فلماذا تكره الخيانة وتحتقرها؟!". 

لكنك لم تخن حلمك .. قلت له وأنا أغلق الدفتر. فكرت إن كان من الخيانة أن أضع الدفتر في حقيبتي وأمضي، ثم تذكرت المغلف، أخرجته وفتحته برقة، كانت الورقة مكتوبة باللغة الفرنسية لكنني استطعت أن أفهم مما فهمته من لغتي الفرنسية التي كان لا بأس بها أن "فؤاد" حصل على منحة دراسية في أحد جامعات "باريس" ليقوم على العمل على أطروحته في دمج الموسيقا الشرقية بالغربية .. 

لكن "فؤاد" مات .. لم يعد موجوداً حتى يحقق حلمه الذي اعتقد أنه خانه، قال لنا يوماً عندما طلب منه أحد الأصدقاء أن يعزف شيئاً على جيتاره :" لقد خنت جيتاري عندما تعلمت العزف على العود .. لكنني وجدت في مقامات العود ما عجز عنه الجيتار، لهذا لا تلوموا الخائنين .. بل لوموا ما عجز الطرف الثاني عن تقديمه حتى تمت خيانته!".

واليوم أبحث عن السبب الذي دعاها لخيانتي .. ما الشيء الذي وجدته به وفقدته معي؟!



  • 2

   نشر في 24 يوليوز 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا