( هيمنة العدل الإلاهي على سنن الكون )
( الإسلام هبة العدل الإلاهي )
نشر في 22 فبراير 2015 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
لعل من أعظم الخصائص ، و من أكبر المميزات على الإطلاق ، هي قدرة الإنسان على التفكير كـمّا وكيفا ، من حيث هو كائنموجود محوريّاً بخلاف الحيوان ، ذلك الكائن المنظور عرضيّاً ، أو الجان ذلك الكائن المستور حسيّاً أو الملاك ذلك الكائنالمجبول تعبديّاً ، إذ أن التفكير البشري سواء من حيث الكم أو الكيف وعلى مدى تاريخ وجوده الكوني استطاع إلى حد بعيد أنيشكل مفارقة جوهرية هي الأروع على الإطلاق ألا وهي مفارقة تأويل مظاهر الوجود ، بدءاٌ من تأويل وجوده ككائن بشري،ومرورا من تأويل حقيقة الكون ، وما استتبع ذلك من نظريات فكرية وفلسفية وأخرى منهجية وتجريبية تولدت عنهمامدارسوأيديولوجيات وأخرى منهجية وتجريبية ، فمنها من عفا عليه الزمن واستحال إلى تراب بسبب منطق عقلانية السياق التاريخي ،ومنها من أضحى يتوارى إلى الوراء بسبب منطق عجز قابلية الصمود أمام حقيقة الوجود.. نعم أعود وأقول ، إن مفارقة تأويلمظاهر الوجود في الفكر البشري ، نتج عنه تسيب مهول في فهم هذه المظاهر ، بل و تمخض عنه تشوه هجين في استيعاب فهموجود الإنسان كحقيقة محورية في الكون ، واستيعاب فهم وجود الكون كحقيقة انسيابية يراد من خلال سننها أن تتفاعل جدليّاً معحقيقة وجود الإنسان ، وذلك للوصول إلى معرفة وجود الحق المطلق أو معرفة الحق واجد الوجود من حيث هو واجب الوجود .
نعم إن هذا التسيب المهول الذي طبع الفكر البشري في تأويل مظاهر الوجود ، سواء في منحى التفسير المادي لتلك المظاهر ، أوفي منحى التفسير المثالي أو غيرهما من التأويلات الوضعية ، كلها جاءت مصادرة على المطلوب ، وبالواضح باتت تفهم الوجودبالمقلوب كشخص يريد عبثا قراءة صحيفة بالمقلوب أيضا .إن التأويل الحق لتلك المظاهر لا يمكن استيعابها فكرا ، إلا إذا فهم الإنسان سلفا ، أن وجوده ككائن محوري ، ووجود الكون ككائن انسيابي ، قد أملتهما ، وأفرزتهما منظومة العدل الإلاهي.
وللوقوف على فهم وتفسير هذه المنظومة الجبارة و العظيمة ، يكون من المرغوب مناقشة مفهوم العدل الإلاهي :الذي يأخذثلاث صفات كمالية تتوحد فيها الألوهية المطلقة :
- أولها صفة العدل المطلق
- ثانيها صفة العدل الآمر الناهي
- ثالثها صفة العدل المحاسب1- فأما صفة العدل المطلق فهي التنزيه الكامل والشامل عن كل شائبة من شوائب الشطط أو التعسف ، وعن كل ميل للظلم أو المحاباة ، وبالتالي فهي صفة تتسامى سمو الذات العلية حيث لا يعتريها عرض أو عارض و لا يغريها غرضٌ أو عوضٌ ، ولايعجزها حلٌّ أو حالٌ ، كما أنها صفة يلازمها القِدم والأزل والآن ،كباقي الصفات الربانية للذات العلية.
3- أما صفة العدل المحاسب ، فهي صفة الحاكمية المطلقة للمحاسب في محاكمة الخلق قاطبة ، وفق منظور الأعمال والآثار ،الأقوال والأفعال بل وحتى النيات الواردة والشاردة ، تكون تحت مجهر العدل المطلق ليكون الحساب تهت طائلة النعيم عرفانا ،أو الجحيم نكرانا ،وبعد هذا التفسير المقتضب لمفهوم العدل الإلاهي ، نأتي الآن على مناقشة تلك المنظومة الجبارة والعظيمة أي منظومة العدل الإلاهي ،و تقريبا للفهم أسميتها :قوائم حجج العدل الإلاهي .. وهي استثناءاً:
- اللوح
- العرش
- الميزان
- الوحي .
فإذا كان القلم ، هو حجة العدل الإلاهي على صيرورة سريان القضاء والقدر .
وإذا كان اللوح ، هو حجة العدل الإلاهي على احتضان واحتواء سرّ الملكوت الإلاهي .
وإذا كان العرش هو حجة العدل الإلاهي على عظمة الجبروت الإلاهي .
وإذا كان الميزان هو حجة العدل الإلاهي على أحقيّة الجزاء الإلاهي .فإنّ الوحي،هو حجة العدل الإلاهي على الخلق أجمعين .
ولذلك ارتأيت مناقشة الحجة الأخيرةباعتبارها تنطلق من العدل المطلق ، كمرجع أسمى لتتفاعل مع الخلق كهدف أولى،وذلك هو سر العدل الإلاهي على الإطلاق..فعلى مدى سريان التاريخ ، حقبا وعهودا ، أجيالا وعقودا ، كان الوحي حاضرا ،آمرا ، ناهيا ، موجّها ،و متوعدا ، ينطق بشرع العدل الإلاهي ،على لسان الرسل والأنبياء ، تبيانا للحق وإقامةً للحجة و استعدادا لمثول الخلق أجمعين أمام الخالق ليحاكمهم وفق منظومة عدله الإلاهي : ( و عرضوا على ربّك صفّاً ) الكهف نعم، و أمام تعاقب الوحي موازاةً مع تعاقب مراحل التاريخ، شهدت الأحداث ، صراعا كونيا بين الحق والباطل، بين الخير والشر ،فمرة يـأتي الوحي بالخوارق والمعجزات ، ليقيم الحجة البالغة ، فمن الخلق من يهتدي و منهم من يفتري ، و مرة أخرى يأتيالوحي بالترغيب والترهيب وبالبشارة والنذير ، فمن الخلق من يعتبر ، ومنهم من يعترض، إلى أن نزل الوحي بالمحطة الأخيرة ، على رجل ليس كالرجال ، على آدمي اتّصف بالكمال البشري ، على خاتم الأنبياء والمرسلين ، محمد بن عبد الله (ص) : (قل يا أيها الناس إنّي رسول الله إليكم جميعاً ) .. إنها محطة فارقة ، في حياة الإنس والجان ، حيث اختلط الحابلبالنابل ، وتضاربت العقائد مللا و نحلا ، فهب الهوى و التحريف على سجلاتها وهلّل المنى والتخريف على دعواتها ، فكان لابد للعدل الإلاهي من أن يتدخل لتصحيح الوضع نهائيا ،ولترميم المنهج شموليّا ولذلك نزل القرآن لساناً بالوحي :
فنطق محمد ( ص ) لساناً بالقرآن وتكلم الإسلام لساناً بمحمد ( ص ) .
حيث وفي فترة قياسية ، استطاع محمد ( ص ) ، أن يترجم رسالة العدل الإلاهي إلى العالمين ، بعد أن استوعب جيدا منظومة العدل الإلاهي وكيف لا وهو المختار سلفا لإتمام المهمة ، والخاتم شرفا لإكمال الدين فإذا كان خليل الله إبراهيم عليه السلام ،خرج بوسام الإمامة بعد أن نجح في قراءة تلك الإشارات الكونية ،فإن المصطفى قرأ ملكوت اللوح وعاين جبروت العرش وهو عند سدرة المنتهى ، فنزل إلى الأرض بوسام الشفاعة الكبرى ، وكان حقّاً رحمة للعالمين .
بقلم الفقير إلى الله : الكاتب تاجموعتي نورالدين .
-
تاج .. نورالدين .محام سابق- دراسات في الفلسفة والأدب - متفرغ الآن في التأليف والكتابة .- محنك في التحليل النفسي- متمرس في التحليل السياسي- عصامي حتى النخاع- من مؤلفاته :( ترى من هذا الحكيم ؟ )- ( من وحي القوافي ) في ستة أبواب وهو تحت الطبع .- ( علم ...