يتوقف الزمن لحظات ..
وتتبدل ملامحك النفسية والذهنية لسنوات انقضت وولت ..
من قوة وصلابة قادرة على شق الأرض شقاً إلى أقدام بريئة تتخبط بين الطرقات تائهة مُشتتة حيال أمر وصولها للسبيل الصحيح , من عقل يكتظ بأفكار لا حصر لها قادرة على سلب توازنه والإستيلاء على مواطن راحة باله , إلى عقل لا يزال يتساءل في حيرة عن الفرق بين القطار والطائرة , أيهما أسرع يا تُرا ؟! , نعم , فحينها كانت هي أكثر الأمور تعقيداً أمام عقله البدائي ! , تتبدل حقاً في لحظة لم تكن تحسب لها حساب ! , وتقف أمام تلك الحالة التي عصفت بك دون سابق إنذار وقفة الطفل الذي يحاول فهم أصعب قوانين ونظريات الحياة التي تبتعد عن فهم عقله البسيط بُعد السماء عن الأرض ! , ولكنه مُرغم على ذلك دون أن يدري ما الجدوى منه ! , تفر من نفسك في لحظة تأمل , وتنمحي كل مسؤلياتك التي تُثقل كاهلك وتُزيدك فوق الإضطراب إضطراباً , فتصبح كل مسؤلياتك كامنة في مجرد إجابات تُصارع من أجل إلتقاطها من بحور تساؤلات عدة تنغمر على عقلك حينها , تمسح غبار الأفكار التي تجتاح ذهنك ولا ترى في وجودها سوى السقوط في هوة وقاع الشقاء الفكري ! , فقط تقاوم ذاتك وتُفارقها , لتعود للحظتك الأولية الفطرية التي خُلقت عليها , لحظة التساؤل والتأمل والتفكر , لحظة تتوقف عندها الحياة , وتتوقف عندها أنت أيضاً عن مُجاراة تيار الواقع الذي يجرف البشر دون هواده , في ظاهرك أنت لم تتغير ولم تتبدل فيك حتى نظرة عينك , ولكن في باطنك .. أنت لست أنت ! ..
أنت الذي تعرفه أشد المعرفة قد اختفى وتوارى عن عين إدراكك له ولوجوده , أصبحت شخصاً آخر , كيف ذلك ؟ , أيعني ذلك أنك قد تشبعت في جسد أخيك مثلاً أو أبرمت صفقة وإتفاق مع ملامح والدك لتحصل عليها لفترة من الزمن ويستعيرك هو أيضاً ثم يعود كلاً منكما إلى ما كان عليه من جديد ؟! , لا , أنت فقط أصبحت إنساناً على قيد التأمل .. وهنا يتضح الإختلاف والتغير كما تتضح شمسنا الحارقة ..
قد إنشققت الآن وتبدلت لهذا الطفل البسيط الذي لا يمنح الحياة إهتماماً , تفيض على الحياة بتساؤلات منطقية وغير منطقية وتنتظر منها الرد وفي الإنتظار تجد عقلك لا ينتظر وينقض عليك بالمزيد والمزيد ! , أنت في حضرة التأمل طفل , فقط يحاول فك شفرة لغزها بما يملكه من قوى ومنطق ولو أقل ما يكون ..
نعم لقد تغيرت أحوالك بين ليلة وضحاها , كأن ولادتك الحقيقية قد حانت وما تخلف عن ذلك من زمنك ماهو إلا مجرد أحلام يقظة , حقيقتك قد إنكشفت الآن , وبدايتك على وشك البدأ هي الأخرى , ما كنت عليه أصبح الآن عدم , مجرد ذكرى تتقاذفها بين الحين والآخر في ملعب ذاكرتك ذو الأرض الصلبة , أصبحت أنت مجرد ذكرى لنفسك ! , وكل هذه الجلبة أحدثتها لحظة تأمل واحدة ! ..
إذاً , إن كان في ذلك ضرورة فلا تتهرب منه , وهو ضرورة فرضتها الحياة عليك , الحياة لن تتأثر بلحظة تأملك هذه , ولكنها قد فرضتها عليك من خلال ظواهرها الغريبة حتى تسمو بك لمرحلة أعلى من مراحل النضج , مراحل التفكر الذي لن يجعل دربك مُعتم فتصبح فيه كمن فقد بصر فكره ! , هي فقط تُلهمك بكل ما يحدث فيها ومن خلالها حتى تتخذ فيها أعلى مراتب الفهم والإدراك , إذاً هل تجد في هذا الأمر مرارة ؟ , أتجد في هذا الأمر واجباً مُضطر على فعله والإقدام عليه بنفس غاضبة متذمرة حيال التنفيذ ؟ , أم تجد في ذلك راحتك ؟ ..
ما عليك سوى التنفيذ الآن , عد من جديد طفلاً صغيراً يستغل كل ما يراه في فهمه والحصول على أدق تفاصيله , حتى وإن كان يرى أمطاراً تتساقط , يتساءل كيف تتساقط هكذا ولمَ وما الجدوى من سقوطها حتى ؟ , لا تستبعد أي أمر , فتلك الأمور هي ما تصنع منك إنساناً له القدرة على مُسايرة الحياة ..