بلا عنوان - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بلا عنوان

قصة قصيرة

  نشر في 23 فبراير 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

                                                                             بلا عنوان


كم حاولت مرارا وتكرار لكن دونما جدوي .. لدرجة أنني إتهمت نفسي بالجنون او العتة !؟..

إذ هل من المعقول ان يتعلق انسان كل هذا التعلق بمجرد (حمّام قديم)!!!!!!!!!! اعلم إن

المفاجأة صادمة ! لكنها الحقيقة بكاملها .. إنني لم استطع ان انسي يوما ما ذلك (الحمام

القديم) الذي كان في بيت جدتي منذ اكثر من خمسة وعشرون عاما !!! لقد كان بيتا قديما

وكان يبدوا للناظر من بعيد متهالكا .. لكنيّ كنت اشعر دائما ان روحي رابضة في هذا المكان!

وكأنة عالم آخر داخل العالم الخارجي..ولم أكن أجد نفسي إلا عندما كنت أزور جدتي في بيتها

القديم ,, كنت اتجول في ارجاء البيت وأري كل ركن فية كأنما هو قطعة أثرية حفرت يد التاريخ

علي جسدها وسطرت احداثا وحكايات وقصصا لأزمان غابرة فيها كل حكايات الحب والحرب

..هكذا كنت أحس وأشعر!كنت أري البيت قويا شامخا كأنة يتحدّي الزمن !,, وكانت تلك

الجدران العريضة تقتنص قلبي بمخالبها الحادة رهبة ممزوجة بولع وتشبث بالمكان!؟

شعور غريب!!! لطالما زاد من تعلقي بالمكان ..وكنت دائما اطلب من أمي ان تتركني أبيت

ليلتين أو ثلاثة عند جدتي وأقضي ليلي أستمع بلهفة العطشان الذي اضناة العطش الي

قصصها العذبة الساحرة اللتي كانت تأخذني لعوالم أخري اغوص بداخلها فأخرج باللآلي

والكنوز,,وفي أغلب اليالي التي كنت أقضيها في بيت جدتي كنت أقضي ليلي أتجول في

الغرف الكبيرة الواسعة واللتي كانت تلتف داخل البيت وتحطية كالسوار حول معصم الفتاة..

وكنت دائما ما أتأمل المقاعد الخشبية في كل غرفة والتي كانت مكسوة بقماش ذو نقوش

زاهية الألوان مزركشة كجناحي فراشة مرحة تزهو بألوانها فخرا ..وكانت جدتي تقص

وتحيك تلك الكسوة بيدها حفاظا علي الأرائك المتراصة من التلف ..لكن شيئا واحدا

فقط كان دائما يخطف تفكيري ويتلقفة ليطير بة بعيدا عن المكان كلة ؟ .. فيسدد بكرتة

كل الأهداف في مرماة هو فقط ! وانا دائما ماأقف موقف المتفرج المنبهر .. المذهول ..

المبهور أو المبهوت !!! مما يحسة و يراة ؟.. هنااااااااك في آخر الردهة الطويلة كان يقبع

(الحمام ) كان حمّاما قديما ..وكان يقع علي الجانب الأيمن بطول الممر ..وكنت أسير في

هذا الممر الطويل كانني مسافرة داخلة ..وكأنما هو سرداب او خندق حفرة أحد جنود الحرب

القدماء ..وأظل أسير في هذا الممر حتي ينتابني شعورا مختلطا مابين الرهبة والرغبة ! رهبة

من الغموض الذي يلف هذا الحمام في عبائتة الرمادية التي تنثر رمادها المحترق حول

جسدة المهترئ والمتين في ذات الوقت .. ورغبة في إستكشاف مايجول ويصول بخاطري

من أفكارمبهمة تصهل بشدة في أعماقي إيزاء هذا الغموض الذي يكتنف ذاك الحمام والذي

كنت أشعر بة عندما أقف علي بابة ثم يزداد بشدة كلما أقتربت من داخلة ,, فتطير أفكاري

لتسابق الريح في محاولة يائسة لفك شفرة اللغز الذي يتجسد بوضوح أمامي كلما أقتربت

من هذا الحمام !!؟ وأخيرا أجد نفسي وجها لوجة أمام بابة الأسود الخشبي الضخم ,,

وكأنما هو احدي بوابات العبور لجهة أخري من العالم ! أو لحقبة تاريخية لم ولن تسطر

في كتب التاريخ ؟ عالم آخر .عالم من نوع خاص .. ولطالما أصابتني الدهشة وأنا أتأمل

جدرانة المصبوغة بسواد ليل بهيم ,,كل قطعة داخلة كان يلفها السواد الحالك الذي يظهر

من بين ثناياة ضوء خافت مرتعش كبزوغ أول الفجر وسط عاصفة السواد الهوجاء ..

كان ينير الحمام ليكسر حدة هذا السواد الفاحم ,,كانت تصيبني رجفة قوية كالصرخة

المكتومة في أعماق متغيث هرب منة الصوت رهبة وخوفا !كنت أفزع لة كثيرا ويكاد الخوف

يقتلع أحشائي بعاصفتة المتوحشة وأنا أتأمل جدرانة المتفحمة وبخاصة سقفة البعيييد العالي

أكثر من اللاّزم ,, والمغطّي بعروق خشبيّة طويلة ,لم أكن أكاد أحتمل مايعتمل في صدري

حينها من المشاعر التي تضج بداخلي في شبة أمواج متلاطمة لتقذف بي بعيدا علي شاطئ

السحر والخيال وعالم الأساطير ! فيضيئ بدخلي وميض عجيب يقتحمني بدون إستئذان

ليفتح أبوابا من التساؤلات اللتي لاتنتهي ولاتقف عند حد ؟ .. فيرافقني ذاك الشعور

السرمدي اللذي يمتزج فية التعلق بالمكان والولع بة والخوف منة والفزع في ذات الوقت !!!

حينها تتجسد أمامي صورا كأنها أشباح من الماضي أتت لتنبأني بأسرار حدثت من قبل لم

يعرفها أحد علي وجة الأرض .. وأسرارا أخري ستحدث ,,لم ولن تخطر لأحد علي بااال,,

وأتذكر علي الفور كلمات جدتي التي كانت تصبّها في أذني عندما كنت أسألها فكانت كلماتها

كالنغم العذب ,,الذي طالما طربت لة اذني ..عندما قالت لي جدتي عندما سألتها واللهفة تقطر

من فمي كما يقطر لعاب الجائع ويسيل داخل فمة ..

---أحكي لي ياجدتي,, أرجوكي أجيبيني ..

فمدت يدها بحنان مفرط الي رأسي وأخذت تمسح بيدها علي شعري فكانت يدها كوسادة من

ريش نعام توسدت رأسي بعذوبة ولمع في عينها بريق خاطف وبنبرة المتنبّئ الذي أدرك

ماهو لابد ميجيب عنة قائلة :

--عن ماذا أجيبك ياصغيرتي ؟ أري شلالات من الللهفة تتتساقط من عينيك .. إن لم يخب

ظني .. أنتي تريدين ان تعرفي سر (حمام بيت جدتك ) اليس كذلك ؟

فنظرت اليها وانا فاغرة فاهي وقد عقدت الدهشة لساني وأطبقت علية كقفل علاة الصدأ

رافضا أن يفتح أو يستسلم لفك حصار الباب ..وقلت .

---أكنت تعلمين بما يشغل بالي منذ فترة ؟..

فإبتسمت قد علت شفتها رجفة خفيفة قائلة :

---ربّ حال أفصح من لسان .. لسان حالك يابنتي أفصح عنك وقال ماترددتي كثيرا في قولة

.. لقد كانت جدتي تراني دائما أنا أقف متأملة علي باب الحمام أو بداخلة ..وأنا اللتي كنت

أظن أني أختلس اللحظات التي أنظر بها لهذا البناء الغامض كلص ماهر .. وقصت لي جدتي

السر الغامض اللذي طالما تشدق بة الكثيرون وكان يسمرن ليلا في ليالي الصيف تحت ضوء

القمر يحكون عن البئر القديمة التي حدثت عندها قصّة غامضة في الأزمان البعيدة والسنون

الغابرة ..قصة لايعرف تفاصيلها أحد ..لكن يقال أن جنية عشقت شابا جميلا كان يأتي للبئر

كل ليلة ويطل ليري وجهه الجميل فوق صفحة المياة فأخذتة لعالمها الغامض الساحر وعاشت

معة عمرا بأكملة في قصة هوي وعشق لم يذقة بشر قط ..تعجز كل كلمات الشعراء وقصص

الأدباءعن وصفة !..حتي ليقال أن أهلة بحثوا عنة طويلا عندما إختفي فجأة لم يئسوا من

غيابة أشاعوا أوربما أعتقدوا أنة سقط غريقا في البئر ..لكنهم لم يجدوا أثرا لة قطّ! .. وكان

الناس قديما يقولون أنه عندما كان يشتاق لأهلة كان تأتي بة الجنية ليراهم لكن دون

أن يشعر بة أحد ,ولا حتي أهلة وكان البعض يقول أنة يراة من بعيد يبدوا كشبح في كل ليلة

يكتمل فيها القمر ويصبح بدرا في اليوم الرابع عشر من كل شهر ,,

ثم تنهدت جدتي تنهيدة طويلة وكأنما هي صدي صوت آت من بعيد بطول تلك السنون

التي مضت ..وكأنما هي بصمة صوت يرن صداها في أرجاء كتب التاريخ الفسيحة اللتي

علاها الغبار وتراكمت عليها الذكريااات ,, وتكمل حديثها معي والحيرة تملؤ نبرات صوتها :

--البعض كان يقول أنها قصة ثأر قديمة بين أحد الإخوة ..يقال أن أحدهما قتل الآخر بعد

خلاف كبير وقع بينهماوقد دفن أحد الأخوين أخوة داخل هذة البئر القديمة ثم هرب بعدها

وأختفي ولم يراة أحد منذ ذلك الحين ! والأغرب أن أحدا لم يكتشف مكان للجثة ولم يراها ..

نظرت اليّ جدتّي وقد لمعت دمعة حزن في عينها كأول شعاع للشمش عند بزوغ ضوءها

الأول علي الأرض وقالت بحنان ممزوج بحيرة وألم :

--لقد سمعت من ابي أمي الكثير والكثير من الأقاويل ..لقد قالوا وقالوا وقالوا عن تلك البئر

القديمة ..وسمعت من كل أهل الحي أكثر مما ينبغي أن نسمع وأكثر مما ينبغي أن يقال من

الحكايات التي حدثت عند تلك البئر واللتي لايعلم سرها إلّا الله تعالي .. وشردت جدتي بخيالها

نظرت عيناها لبعيد هي تركب حصان خيالها وتمتطّي أشواقها التي كانت تزفر شهيقها

مع كل نفس و وبلهفة لم أراها ترتسم كلوحة فنان علي وجهها قائلة :

---لكن كنا دائما ونحن صغارنأنس كثيرا بالجلوس عند تلك البئر .. ولايحلوا لنا اللعب أو الّهو

الاّ حول تلك البئر كنا نشعر بشعور غريب جميعنا ..الكبار والصغار لاندري مصدرة ..الي أن

أتي ذلك اليوم وأشتري والدي قطعة الأرض التي كانت البئر فوقها بعد أن جف ماؤوها ونضب..ثم..................

فقاطعت جدّتي فجأة وأكملت ماأرادت وصلة من حديثها كأنّما اللحظة الحاسمة قد أتت وبلهفة

صاروخية إندفعت قائلة :

--ثم ّبني الحمام في موقع البئر .. اليس كذلك؟

---فضحكت جدتي و قد فهمت ماأرمي من حديثي ..وبشئ من الحزم جاوبتني قائلة :

---أري أنك ياصغيرتي قد أعطيت الموضوع أكثر مما يستحق من إهتمامك ..إنّها مجرّد

حكايات قديمة تحتمل الخطأ الصواب ..وقامت فجأة في محاولة منها لإنهاء الحديث

الذي دار بيننا حول سر الحمام القديم أو بمعني أدق سر البئر التي كانت في مكانة ..

ظنا منها انها قد روت ظمئي وتعطّشي لسبر أغوار هذا الغموض وفك شفرات

هذا اللغز الساحر المحيّر الّذي طالما عصف بقلبي وروحي معا ليذهب بهما إلي حيث

لاقرار ! ليدخلني عوالمة الغامضة واللتي كانت تتأجّج نيرانها بلهفة وغموض كلّما وقفت أمام

باب هذا الحمام أو تأملّتة من الدّخل !؟.. كل هذا كان يثبت أمام ناظري وأنا اتأمل الحمام من

الداخل بصور متحركة وثابتة ,واضحة وغامضة ,مضيئة وباهتة ..لكل ماقصّتة لي جدّتي

وكل ماشعرت بة إيزاء ذاك السحر والرهبة والغموض ,,كثيرا وبعدما سمعت ماقصّتة لي

جدّتي كنت أشعر في كثير من الأحيان ان هذة البئر ستثور مياهها فجأة من تحت قدمي لتنفجر

في غضب بعدد وبطول تلك السنوات الماضية لتتدفق وسط الحمام معلنة عن تمردها علي كل

مامضي وعندا ستوشي لي بكل الحقيقة كاملة وتعلن أمامي في إصرار وثبات قائد المعركة

عن كل أسرارها التي خبّئتها عن الأسماع وأخفتها عن أعين النّاظرين المتطفّلين اللّاهثين

لمعرفة ماخفي من الأنباء والأحداث والظواهر المستترة التي قد تكون خارقة للعادة

!!!إنتظرت كثيرا

..لكن شيئا من هذا أو ذاك لم يحدث .. وظلّت التساؤلات تعصف برأسي, والرهبة تملؤني

حتي فاض ماؤها فسال من حولها ,, وإزدادت حيرتي وزاد معها ولعي حتي غاص في

أعماق قلبي وتشبث بة تشبّث رضيع أنهكه الجوع بثدي أمّة حيث لافكاك البتّة .. حاولت أن

أقنع نفسي أن تحت بناء هذا الحمام مجرد بئر قديمة قد جف ماؤها بمرور الزمن وإنعدم ..

لكن بدون جدوي ..وكأنما لهفتي لم ترتوي بعد من ظمئها وحيرتي لم تنطفئ بعد نيرانها

المتأججة .. ظل سر هذا الحمام قائما قاتما وبدون أدني تفسير ..ظل بعيد كل البعد عن كل

ماحولة قريبا كل القرب الي كل ماهو غريب ومريب .. إنة شئ أسطوري الطابع ..

وكبرت وكبر السر الغامض بداخلي حيث لم اجد لة تفسيرا أبدا ..وتركت بلدتي

الصغيرة بكل بساطتها ونقائها ووداعتها ..ودعت الطيور والأشجار والبيوت الصغيرة

حتي ماء الترعة ودعتة بعد أن أغرقتة بدموعي فكاد ماؤة يفيض حبا حنانا ..وودّعت

مع كل ذلك جدّتي الحبيببة الحنونة .. وحفرت دموعها التي بللت وجنتياي عندما ودعتها

مكان لايمحي فوق وجنتي كلما تحسستها أشعر بدمع جدتي تسيل طازجة وكأنها ليدة

اللحظة كالزهرة البرعم التي ببلها الندي وفاحت رائحتها الطّازجة لتعطّر ارجاء الكون !

ورحلت مع أسرتي للمدينة الصاخبة بكل أضوائها وضجيجها وعبثها ولهوها ..لكن قلبي

لم يرحل ..بقي مستكينا قابعا مكانة في ثنايا الذكريات داخل طيات كل حبة رمل كنا نلعب

فوقها في بلدتنا الصغيرة ..وظلّ السراللذي تركتة خلفي ورحلت كجدار عال أمامي لم أستطع

يوما أن أقفز فوقة أو أجرؤ حتي علي تسلّقة .. ورأيت في المدينة مالم يكن يخطر لي علي

بال من قبل ..رأيت قصورا فخمة (فلل) وعمائر فارهة الإرتفاع ,,غاية في الإتّساق والروعة

والإبهار الذي لابد أن يخظف عين الناظر من الوهلة الأولي .. كان بيتنا الجديد الذي أمتلكتة

أسرتي بيتا فاحشا في الثراء بخاصة بعد ترقي أبي في منصبة الجديد في العمل وزاد راتبة

تحسنت أحوالنا المادية بشكل ملحوظ ! بل أننا قد أشترينا سيارة جديدة .. وكنت أتأمل بيتنا

كما أن أفعل دائما كل ركن فية كان ينطق بالثراء الجديد الذي هب علينا ..غرفا اسعة

كبيرة تضج بأثاث وفرش غال الثمن مبهر للعين في كل ركن من أركان البيت قد وضعت

تحفة أو فازة أو قطعة أنتيكة غالية الثمن كانت توضع في أركان البيت صامدة بعناد وكأنما

كل تحفة كانت تتحداني عندما أنظر لها واتأملها وكأن لسان حالها يعقد مقارنة بين مامضي

ويزهو أمامي بفخامتة وجمالة .. لكني مع الأسف لم أنسي قط ؟ لم أتأثر بكل جديد وثمين

رأتة عيني لكن لم يرة قلبي ! لم يمس وجداني ..بل لم يحرك فضولي لم يثر تساؤلاتي..

لقد حرمت من الغموض الساحر الذي كنت أنعم بة أنا صغيرة في بلدتنا .. لم أشعر يوما

بالرغم من المدة التي مرت علينا في المدينة أن هذا هو بيتنا أ أن هذا هو مكاني الجديد

الذي أصبحت آوي الية ..لكنة لم يسكن داخل روحي ابدا ..ولا حتي للحظة واحدة..

كان حمام بيتنا الجديد متسعا فخما فية من كل أثار النعمة الثراء مايبهر عين الناظر..

حماما بني علي الطراز الحديث فية من مظاهر الأناقة والرفاهية والأبهه مايسبي العقول

ويثير الإعجاب ..لكنة لم يحدث !! أنة لم يحرك ساكنا بداخلي .. بعدت عنة روحي

كما بعدت عن باقي أرجاء البيت الجديد بكل فخامتة!!! لم ينسني هذا الحمام بكل

روعتة وإتساقة..لم أفغر فاهي أمام جمال القيشاني اللاّمع اللذي كان يزركشة وكأنة يزهو

بألوانة كالطّاووس المغرور ببديع الوانة وجمال شكلة ..! وصرخت صرخة مكتومة

مكلومة كصرخة أم ثكلي فقدت أعز أبنائها علي قلبها في لحظة انة ليس هو .. ليس هو..

وتساءلت والح عليا السؤال عندما إجتاحتني الذكريات العتيقة فأبكت عيني حتّي ذرف منها

الدمع مرغما علي الهبوط بعد إن استحثتة الذكريات وأجبرتة علي الخضوع لها في تحد

صريح وقاسي ..كصرامة وحزم قائد يحارب تحت نصال السيوف ..لفحتني قسوة ذكرياتي

المفقودة وأقضت مضجعي برودتها كزمهرير شتاء قارص لايرحم ,,آآآآة قلتها بعزم ماأمتلك

من قوة .. اين مامضي من حياتي ؟ كيف تسرّب من بين يدي كالماء دون أن أشعر ؟ كيف

,كيف ,كيف ؟؟؟ آلمني ذلك كثيرا .. لكني كتمت أنيني بين ضلوعي ومضيت بجرحي العميق

الذي لم أجد لة برأ ..بل أنني كنت في كثير من الأحيان اتلذذ بالألم ..اتلذذ بعذاباتي في

إجترار ذكرياتي القديمة ..لم تفارقني صورة بيت جدتي ..لم تفارقني صورة الحمام القديم..

كنت أغمض عيني وأتخيلة أمامي بجدارنة المتفحمة الغارقة في السواد وسقفة المرتفع

الذي لايكاد يصل الية بصري حتي يجهد .فيرتد مرة أخري ..فثار في نفسي تلك المشاعر

القديمة فزع,, رهبة ,, خوف ..ولع ..ولة ..عشق للمكان للزمان ..بل للحظة ذاتها .. شعرت

أني كنت أمتلك العالم بأسرة بطولة وبعرضة في تلك اللحظة !!! وتوقف الزمن لدي ..

بل قل إن عمري توقف عند ذاك الزمن وأبي بعناد طفل مدلل لابد تلبّي لة كل رغباتة أن

يتحرك خطوة واحدة بعد العمر الذي مضي من حياة الطفولة التي عشتها في بيت جدّتي ..

وفي ذات ليلة هببت اقفة من مكاني وأعلنت عاصفة العصيان التي هبت في رأسي وفي كل

كياني ..فإقتلعت كل شئ أمامها بدون هوادة ولا شفقة في كبرياء وعناد ..قررت العودة حينها

لبلدتنا الصغيرة تحديدا لبييت جدتي والتي كانت قد توفيت منذ فترة .. ومهما كان الثمن أورد الفعل..

فقد خرجت عند بزوغ الفجر من المنزل وركبت سيارة أبي الفارهة ولم أعبأ بأي شئ آخر

وأتّجهت إلي بلدتنا الصغيرة ..يحملني الشوق في كفة ويطير بي ويطويني داخل عالمة

السرمدي الأبدي الأسطوري .. وإنطلقت بالسيارة وأنا لاأكاد أشعر بالأرض من حولي

تتابعت أمامي كل الصور القديمة حتي وصلت .. ثم نزلت من السيارة التي وقفت أمام

بيت جدتي أو بمعني أصح أمام ألأطلال التي بقيت .. لم اري أثرا للبيت ,, تلفتت حولي

وبهتت ..دارت بيا الدنيا من حولي .. وعصف الخوف بقلبي وأنا أجري لاهثة كمريض

يحتضر وقد أشرف علي الموت ! لم أجد حولي شيئا مما كنت أمني نفسي بة طوال

رحلتي من المدينة حتي بلدتنا !؟ تساءلت ..هل ياتري ضيعت العنوان ؟ .. هل نسيت

مكان البيت ؟ لكن لا ,لايمكن أن يحدث هذا محال .. قد تطلع الشمس من المغرب

أو قد لاتشرق أبدا ..اما إني أضيع أو أنسي عنوان البيت ..لا ..كلاّ هذا لن يحدث أبدا .. سرت

بضع خطوات بطيئة متثاقلة نحو مكان البيت .فلم أري أمامي سوي أطلال كئيبة وبقايا تنبؤني

بأن البيت قد تهدم وكأنما هي تعزيني في فقدان عزيز .. تلفتت حولي مرّة أخري تلتها مرات

ومرات عديدة ..وملأ الفزع كأسي حتي فاض ماؤوها وتحول لشلالات تنهمر بشراسة مقاتل

جسور يهوي بالسيف علي جسد العدو .. وجلدتني نيران الحيرة بسياطها ..جننت وفقدت

صوابي حين لم أجد البيت مكانة ..أصابني الدوار ..وشعرت بأن الأرض تهتز من تحت

..أقدامي.. إنني لم أضيع العنوان .. ولم أنسي المكان .. فإن كان ذلك صحيح فأين البيت؟!

أين , أين؟؟؟ أحسست أن الأرض غاصت فجأة من تحت قدمي ..لقد غربت شمسي خلف

الأفق وضاع مني الزمان ..إختفي المكان وإندثر بين طيات حنيني للماضي البعيد..

تبخّر عطرذكرياتي وتسرب كالزّئبق ولم يعد لة وجود .. أحسست أنني تهت فجأة,, ضعت

.. وبسرعة البرق الخاطف التقطت عيناي أثرا لحفرة عميقة تهبط في باطن الأرض وأدركت

حينها أنها أثرا للبئر القديمة! إذن فهو مكان الحمّام ..هرعت إلي هناك متلهفة لأروي عشطي

الذي لايرتوي أبدا ..ولم أري بالطبع سوي أطلال وبقايا للمكان وللبيت كلة ..فأخذت أتحسس

كل شبر في المكان كالأعمي الذي فقد بصرة فجأة ,, فإذا بة يحاول إسترجاع ذاكرتة

البصرية متعلقا بما بقي لة بها تعلق الطفل بأمة ..علة يستعيد ما فقدة ولو للحظة

واحدة ..

الأديبة / منال خليل


  • 3

  • بلا عنوان
    الحريه هي وطني وابحث عن الحقيقه ثم ارسم بالكلمات قصاصات ادبيه هي قصص وروايات تحكي وتشي بكل مابداخلنا من حكايات ورغبات ونزعات وأسرار
   نشر في 23 فبراير 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات

Dallash منذ 5 سنة
احسنت
1
بلا عنوان
اشكرك اخي الكريم هذا من لطفك
Dallash
تحياتي اختي الفاضلة الكريمة

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا