الإبتلاء السلبي و الإبتلاء الإيجابي.. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الإبتلاء السلبي و الإبتلاء الإيجابي..

  نشر في 22 ديسمبر 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

قال تعالى:"فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه ربّه فأكرمه و نعّمه فيقول ربّ أكرمن و أمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربّ أهانن."سورة الفجر

أكرمه و نعّمه ..أليس هذا إبتلاء إيجابي ؟؟

قدر عليه رزقه..أي ضيّقه عليه..هذا إبتلاء سلبي..بلا شكّ

هذا يعني بأنّ كلمة إبتلاء تنطوي على مفهومين..السلبي و الإيجابي

"إنّ الله إذا أحبّ عبدا إبتلاه."  في هذا الحديث يشير العلماء بأنّ الإبتلاء  هنا سلبي. و لكن كيف يحبّ الله عبدا و مع ذلك يبتليه؟؟أحيانا كثيرة إلتقطت أذناي كلمات صادمة من دعاة تقول:إذا لم تُبتلَ فراجع إيمانك و حبّ الله لك..حتّى و إن كنتُ أتّبع تعاليمه سبحانه !! حتّى أنّني سمعتّ مرارا عن قصّة تتحدّث عن شاب ورع تزوّج بفتاة صالحة  و قضيا أيّاما معا..و كان هو أروع ما يكون..و لكنّها قرّرت الإنفصال عنه..و رحلت..و هو في طريقه لمحاولة إسترجاعها و فهم سبب رحيلها..سقط من دابّته فأُصيب بكسر في ذراعه..قالت له اللآن فقط يمكنني الرجوع ..الآن فقط تأكّدت بأنك ورع حقّا..الآن فقط تأكّدت بأنّ الله يحبّك..عندما كسرت ذراعك..عندما ابتلاك !! ...ألن تخاف بعد سماع هذا أن تكون مؤمنا ورعا..لأنّك متأكّد بأنّ المصائب ستنهال عليك لا لشيئ إلاّ لأنّك إنسان صالح !!

ما هذه السّذاجة في تفسير الأمور..ما هذه الصورة المشوّهه عن حبيبي و سيّدي و مولاي !! الجلال كلّه و البهاء و العظمة.

لماذا نتلقّى المعلومات من دعاة يُمثّلون الدّين..على أنّها الحقيقة المطلقة..دون تفكير !!

أليس الداعي كالطّبيب و المهندس و المعلّم ..يمكن أن يكون ممتازا أو متوسّطا أو دون ذلك !!

ألا يمكنه أن يخطئ في تفسير آية أو حديث؟ بلى..إنّه لا يوحى إليه..بل هو اجتهاد يمكن أن يصيب فيه و يمكن أن يُخطئ..المصيبة هي أنّ هذا الخطأ يمكن أن يُبعدنا عن الصورة الحقيقية للإله و عن الدّين الحقّ..و الحمد لله على أنّ ساحة العلم لا تخلو من علماء متميّزين..لهذا يجب أن نسمع لهذا و ذاك ليتبيّن لنا الحقّ ..و لا نحصر أنفسنا في إطار ضيّق..و نحاول أن نكون الفاعل بدل أن نستقر في دور المفعول به دون تفكير..كأنّ على رؤوسنا الطّير.


 كنتُ أعرف في قرارة نفسي بأنّ الله أعظم و أرحم من أن يُعذّب أو يبتلي عبده بابتلاء سلبي ..دون سبب..

كنتُ أعلم بأنّ الله أرحم و أحنّ عليّ من والديّ ..أيمكن لوالديّ أن يعاقبنني دون سبب؟؟

قطعا لا..إلاّ إذا كانا يحملان من العقد النفسية ما يجعلهما يتصرّفان هكذا تصرّف!!

فما بالك بمن خلقني بحبّ .. و صوّرني بحبّ ..ووعدني بأن أدخل جنّة الأرض قبل جنّة السّماء إن أنا اتّبعتُ تعاليمه..

"و لمن خاف مقام ربّه جنّتان." جنّة الدنيا و جنّة الآخرة

فماذا يعني هذا الحديث؟ "إذا أحبّ الله عبدا إبتلاه "

إنّ الله خلقنا لنتعرّف عليه و على ذواتنا الحقيقية و نسعد في الدنيا قبل الآخرة

لهذا كانت هذه المرتفعات و المنحدرات من التجارب في الدنيا حتى نصل إلى الحقيقة العظمى و هي معرفته عز و جل بأسمائه الحسنى و بصفاته العلى..

الإبن بالتبني لا تهدأ روحه و لا يجفّ دمعه و لا يذق طعم السعادة الحقيقية إلاّ إذا التقى بأبيه الحقيقي و تعرّف عليه ..

فكيف نسعد قبل أن نتعرّف نحن على إلهنا الحق ّ لا الذي يصوّره لنا كلّ من هبّ و دبّ ..

هذا هو الفرق بين الحياة الدنيا و الحياة الآخرة..فهناك سيكون الإستقرار و الأبدية و السرمدية..حيث لا تعب و لا نصب و لا حزن..حيث الشباب و الجمال الدائمين لمن يدفع الثّمن..أمّا الدّنيا فهي حقل تجارب ..هكذا أرادها الله..و سنسعد فيها و نعيش عيشة هنيّه إذا اتّبعنا تعاليم الخبير..

من حبّه لنا أرسل لنا كتبا و رسلا يهدوننا إلى ا الحقّ .ألم يقل عز و جلّ

"و لو أنّ أهل القرى آمنوا و اتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض و لكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون." سورة الأعراف

أيْ أنّ نتيجة الإيمان و التقوى بالمعنى العميق للكلمات..هي بركات من السّماء و الأرض..أليس كذلك؟ قمّة الحب و الرحمة..

فهل هذا يعني أنّه إذا إبتلانا بابتلاء سلبي ..لا يُحبّنا؟ قطعا لا..بل العكس هو الصّحيح..لأنّه يُحبّنا..يبتلينا..لا لشيئ إلاّ لنصحّح المسار..و نرجع إلى نقطة البداية ..حيث الفطرة..

فالإبتلاء يكون إيجابيا عندما ينعم الله عليك بالجمال مثلا أو الغنى..و زد على ذلك ما شئت من النّعم.. أليس هذا بلاء حسنا؟  نعم ...و لكن  هل ستشكر بعدها.. هل سترتقي بهذه النعم أم تنحدر؟؟ ..

يقول الله تعالى:"ذلك بأنّ الله لم يكُ مُغيّرا نعمة أنعمها على قوم حتّى يُغيّروا ما بأنفسهم."الأنفال.  أيْ أنّنا في رغد من العيش و في بحبوبة ما اتّقينا الله في ما رزقنا من نعم ..ما دمنا نحمل تعاليمه في قلوبنا ..في تجارتنا و وظائفنا ..في بيوتنا في حلّنا و ترحالنا ..في أوقات  لعبنا و مرحنا..هكذا خلقنا الله لن نسعد إلاّ بقربه..و لن نذوق طعم السّعادة بدونه..و لو فُرشت لنا الأرض ذهبا..ألم تسمع عن أناس ملكوا الدّنيا ثمّ انتحروا ..

لماذا؟؟ لا لسبب إلاّ لأنّ أرواحهم سعت للبحث عن كلّ شيئ..إلاّ عنه..فضاقت بها الأرض بما رحبت..مع أنّها ملكت كلّ شيئ..و رحلت عن الدّنيا و لم تذق أحلى ما فيها ..حبّه و التّلذد برؤيته قبل اللقاء..مَن منّا يريد مرضا عضالا أو ذلاّ مهينا أو فقرا متقعا ؟لا أحد طبعا..كُلّنا يسعى للسلامة و السّعادة..و لكن يمكن أن نخطئ الطّريق..فكلّ ابن آدم خطّاء أليس كذلك؟ لهذا كان لا بد من المعالجة الإلهية هذه..هو الكمال كلّه لا يحتاج إلى شيئ..نحن من نحتاج لمعرفة السلوك الصّحيح في كلّ مجال..لنسعد و هو هنا من أجلنا..أبعد هذا الحب شكّ!!

 فالإبتلاء السلبي. .لا يأتي من فراغ..إنّما هو نتيجة تصرّفات خاطئة أو ذنوب اقترفناها و نسينا أن نستغفر و أن نجدّد العهد و نصحّح المسار..فكان لا بدّ من الإبتلاء السلبي حبّا فينا و تطهيرا لذواتنا و ليس عقابا..العقاب يكون لمن لا خير فيه و لن يرتدع و لن يعود حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط!! و الله يعرف هذه القلوب..

و يبدأ الإبتلاء برسائل ربانية خفيفة يرسلها عبر قريب يحدّثك أو صديق يذكّرك..أو سطور كتاب تنقر قلبك..فإن تذكّرت .. و عُدت ..نجوت..

إسمع إلى الله ماذا يقول"ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم و آمنتم و كان الله شاكرا عليما" النساء

و لكن أحيانا تعمى أبصارنا و ننسى و نبتعد و نشدّ الرحال إلى عالم الخطايا ..و نُطيل السّفر..و يُمهلنا بحلمه و صبره و حُبّه لأنّه يكره إساءتنا..

و لكن أترضى أن يراك والدك تغرق أمامه و لا يُنقذك؟ حتّى و إن آلمك و هو يُنقذك..

قال تعالى"ما أصابك من حسنة فمن الله و ما أصابك من سيّئة فمن نفسك"

هذا يعني أن الله مصدر الخير و الحب و البركات..و ما المصائب إلاّ نتيجة حتميّة لأخطائنا و جهلنا..حتّى في أدقّ تفاصيل حياتك ..هو معك ..ليصحّح لك المسار..فمثلا

يمكن أن تكون لي أخطاء كثيرة و مسار مُلتو فيما يخصّ مثلا بنظامي الغذائي اليومي..فآكل بلا وعي و أملأ معدتي بما لذّ و طاب من الدّهون و السّكريات و المشروبات الغازية..و أنا مثلا على هذا الحال لسنين عديدة..فإذا أُصبتُ عفاني الله و إيّاك بسمنة مفرطة أو مرض ما نتيجة هذا الغذاء غير الصحي..

من المسؤول هنا؟أنا طبعا.. أليس هذا ظلم لنفسي؟ و قد خلقني الله لأكون في أحسن تقويم.. و أعظم أنواع الظلم هو ظلمنا لأنفسنا..هو قدري الآن ..و لكن أنا التي سُقتُه إلى نفسي ..أليس كذلك؟

"و ما أصابك من سيّئة فمن نفسك"

هل يمكن أن أُغيّر المسار و أعانق الصحة و العافية من جديد؟؟ هل يمكن أن أقفز إلى الضفّة الأخرى من القدر؟؟ بلا شكّ.. فمن قدر إلى قدر أفضل منه...فالمرض أو السّمنة كان جرس إنذار بالنّسبة لي و ليس عقابا ..أبعد هذا الحب حبّ ؟؟سبحان الله!!

الأخطاء و الذنوب التي نقترفها في حقّ أنفسنا و في حقّ غيرنا .كثيرة..

لهذا تعدّد البلاء..و الله ربّ..يّربّي عباده..ولو شاء لهدانا جميعا و انتهى الأمر..

و لكن يدلّنا على الكنز..يمدّنا بالمفاتيح..ثمّ يترك لنا الخيار..لنتعلّم و نتربّى و من ثمّ نرتقي..و عندما نفهم..عندها فقط سندخل جنّة الأرض قبل جنّة السّماء..

كفانا جهلا..و نحن أمّة إقرأ..كفانا اتّهاما للقدر..فالله مصدر الخير و الحب كلّه..

فأصابع الإتّهام يجب أن تُوجّه إلى أنفسنا ..و ما دُمنا لا نعترف بأخطائنا..و نلعب دور الضحيّة في كلّ شيئ,,ولا نتحمّل مسؤولية أنفسنا.. و لا نسعى إلى التّغيير..فلن يكفّ البلاء..

أنظر إلى المرآة..أترى تلك البقعة السّوداء التي شوّهت منظر وجهك؟.

أعليك أن تمسح المرآة ..لتزول.. أم عليك أن تُنظّف وجهك؟؟..فمن هنا يبدأ التّغيير..


  • 7

   نشر في 22 ديسمبر 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا