ياماتو: أسطورتان في اسم واحد
قراءة في أنمي "سفينة الفضاء ياماتو 2199"
نشر في 29 يناير 2018 .
الخلاص لكل حياة ذكية في الكون !
ليس هذا وحسب شعار منقذي كوكب الأرض في أنمي " سفينة الفضاء ياماتو 2199 "، بل هو تعبير عن فلسفة ميتافيزيقية تعبّر عن وجود الإله، لكن بشكل مختلف، والإله في هذا المسلسل الأسطوري ليس سوى حسنوات كوكب الاسكندرعلى رأسهن ستارشا اسكندر التي " لا تفعل شيئا سوى اختبار الآخرين" كما اعتاد الامبراطور ابيليتو ديسلر أن يقول ساخرا.
نحن الآن في سنة 2199 ، الأرض تتعرض لهجوم شرس بالقنابل الكويكبية ، والحياة على هذا الكوكب تذبل شيئا فشيئا، والفضائيون الغزاة يصرون على حربهم ضدنا، وليس لنا سوى أمل وحيد، تلك الرسالة التي وصلتنا من ذاك الكوكب البعيد "اسكندر" والتي تهدينا خطة الحياة المقترنة بتحد مستحيل، رحلة تدوم سنة واحدة نحو الكوكب البعيد من أجل الحصول على نظام يعيد الحياة إلى كوكب الأرض قبل أن يذوي ويموت، ولا سبيل لقطع الرحلة سوى سفينة الفضاء "ياماتو" .
أنمي " سفينة الفضاء ياماتو 2199 " في نسخته لسنة 2012 ، ليس مجرد سرد كلاسيكي ملحمي لبطولة السفينة وطاقمها كما اعتدناه في نسخه القديمة التي من بينها النسخة المعربة "نسور الفضاء"، والنسخة العالمية " Star Blazers " هذه الأخيرة التي اشتهرت في السبعينات والثمانينات ، بل هو تصوّر أكثر تطوّرا وعمقا يتجاوز التجسيد السردي لعناصر القصة إلى التجسيد العام للتصوّر الياباني للعالم بشكل عام ولـ"لآخر" بالأخص.
والمسلسل بشكل عام أكبر من أن يكون مجرد عمل غارق في دوامة الخيال العلمي، بل إن إيحاءاته التاريخية ورمزيته القومية لدى اليابانيين تطغى بشكل كامل على طبيعته كمغامرة فضائية مليئة بالإثارة والتشويق، فسفينة الفضاء ياماتو ليست سوى إعادة خلق لأسطورة السفينة البحرية اليابانية العظيمة "ياماتو" التي لم يصنع مثلها في العالم إبان الحرب العالمية الثانية، وقد تم فقط تكييفها لسياق المسلسل بتحويلها إلى سفينة فضائية تحارب الفضائيين بدلا من قوات التحالف التي أغرقتها ذات يوم ربيعي من سنة 1945.
إنهما أسطورتان في اسم واحد، إذ يمكن ملاحظة التطابق بين السفينتين في أدق التفاصيل، حتى في المدخنة العملاقة التي أُبقي عليها في النسخة الفضائية في السفينة، رغم عدم وجود أي مبرر لها في فيزياء الفضاء، هكذا نفخ نيشيزاكي الروح من جديد في أسطورة اليابان الغارقة ليعيدها من جديد كأيقونة للتحدي والصمود والكفاح في قلوب العالم قبل قلوب اليابانيين.
والملفت في هذا العمل ، أن صورة الآخر لم تكن بذاك الابتذال الذي عهدناه في الأفلام العسكرية الملحمية، بذاك الظهور البشع النزق والمقيت، بل إن الفلسفة اليابانية قد طغت بشدة على تجسيد الأعداء بنوع من الاحترام والتفهم والتقبل، إن لم نقل التفوق !
العدو في هذا الأنمي هو كيان جدير بالاحترام، الشرف بالنسبة إليه مسألة مهمة جدا (كما يقول الضابط التكتيكي كوداي)، وعلاوة على ذلك لديه وجهة نظر تُحترم مهما كانت نتائجها، حتى فلسفة أبيلتو ديسلر ( امبراطور الجاميلس) قُدمت بنوع من التبرير باعتبرها الخيار الآخر، أو الحل البديل، في مقابل ستارشا زعيمة الإسكندر حاملة راية الخلاص التي تمثل قطب المثالية والنموذجية .
كما بُنيت صورة العدو على شبكة عميقة من التفاصيل توضح معالم إمبراطورية فضائية عظيمة فيها ما فيها من الصراعات والتناقضات في محكاة للتاريخ البشري.
الأنمي يحمل في لقطاته كل شيء، الأمل، الإثارة، الحماس ، الفرح، الحزن، الرومنسية، الطرافة، وأكثر من هذا هو مزج رائع بين الفيزياء الفلكية والتشويق، ولا يمكن أن يعبره المشاهد من دون أن يأخذ فكرة عن بعض الأسس النظرية لفيزياء الفضاء كقفزة غيشتام ، الزمكان ، شرخ الأبعاد، إشعاع هوكينغ، وغير ذلك، فهو رحلتان : رحلة مع ياماتو نحو المجهول .. ورحلة في فيزياء الفلك وأكوان الخيال العلمي !
من الناحية التقنية، اليابانيون أرباب الأنيمي بلا منازع، لكن خصوصية المسلسل باعتباره ذو نمط عسكري زادت من قوته ، وبالأخص فيما يتعلّق بحركة الطائارت المقاتلة وتفاصيل حركتها في الفضاء الخارجي ..أما الرسوم فقد جاءت بسمت كلاسيكي يتناول أدق التفاصيل ( رغم تحفظي الشديد في هذه النقطة)..وأغلب الشخصيات صورت بمسحة جمالية واضحة ..حتى الأعداء الجاميلس لم تلحقهم أي عنصرية فنية ..بل جُسدوا في أجمل الوجوه والشخصيات..
أما الموسيقى (التي لن أغفل عنها أبدا) فهي نفسها الموسيقى الشهيرة التي ألفها المؤلف الموسيقي أكيرا مياغاوا، فقد جاءت في توزيع جديد مميز ملحقة بمقاطع تصويرية رفعت من قيمة العمل إلى درجة الكمال.. إنهم اليابانيون كعادتهم !!
الشخصيات تتفاوت قوتها بدرجة بطولتها ..لا وجود لبطولة مطلقة سوى لأسطورة ياماتو كفكرة وكأسطورة ، رغم أن الضابط التكتيكي الشاب كوداي سوسومو و حبيبته ضابط العمليات يوكي موري بقصتهما العاطفية قد استحوذا على المساحة الأوسع من البطولة ..إلا أن شخصية القائد العجوز جوزو أوكيتا كانت محط أضواء المخرج بحنكته العسكرية وذكائه الفذ ، دون ان ننسى زعيم الجاميلس ابيليتو ديسلر الامبراطور الذي يسعى إلى خلاص الكون بطريقته الخاصة ..عن طريق الحرب فقط !
القائد دوميل ذئب الفضاء شخصية جديرة بالاعجاب والتقدير أيضا ، فرغم كونه قائدا في صف الأعداء ، إلا ان اي متابع ستتملكه حيرة كبيرة حين يشهد الحرب بينه وبين يامتو ، في أي صف سيقف! أظنه الانمي الوحيد الذي يجعلك تحتار في الاصطفاف بين الأبطال والأعداء !
من أجمل ما التقطته خلال مشاهدة المسلسل للمرة الـعاشرة أو الحادية عشر لا اذكر :
إن اردت أن تفوز في الحرب فلابد ان تراهن!
أولائك الذين أغلقوا أعينهم عن الماضي أصبح المستقبل أعمى بالنسبة لهم!
إن تعارك أسدان في مستنقع فكلاهما سيغرقان!
الصياد الجيد لا يطارد فريسته طويلا !
أعتقد أن ما يمكن أن نحبه في هذا الأنمي ، عدا الاثارة والتشويق والإتقان والجمال، أنه يحمل في جوهره قضية ورسالة، الأبطال لهم وجهة محددة، وقضية واحدة يحاربون من أجلها..ملحمية العمل تطغى على كل ّ نقاط تفوقه.
ملخص الأنمي هنا
-
فاطمة بولعناناليوم حرف وغدا حتف
التعليقات
و حقاً فقد إستطاع اليابانيون أن ينقلوا الأنمي نقلة نوعية من مجرد كارتون للأطفال مثل ( كونان ) إلى أعمال تتابعها فئات عمرية مختلفة مثل ( Death Note ) و ( Naruto ) . و قد رأيت بعض شركات الإنتاج العربية بدأت تحذو حذو مثيلتها اليابانية و تنتج أعمال أنمي لجميع الأعمار مثل سلسلة ( قصص الإنسان / النساء / الحيوان في القرآن ) .
بالتوفيق و في إنتظار كتاباتك القادمة .