بيت فؤاد ٢٥ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بيت فؤاد ٢٥

كنت سأترك هناك كل شيء عابر خلفي، لكنني لم أستطع أن أدعك ترحلين هكذا دون أن تأخذي معك من ألمي شيء ..

  نشر في 24 شتنبر 2018 .

كان ذلك الشجار غريباً، كانت أصواتنا تتعالى كأننا في سباق، صفعت الباب بيدي حتى شعرت بأنها كسرت. اقتربت مني والدموع تملء وجهها وقالت لي بنبرة بعيدة عن الشجار .. "دعنا نفترق!".

كم كان ذلك الطلب هادئاً واضحاً وقاسياً، كيف نفترق وأنا روحي معلقة بك، لا .. لا .. بالتأكيد أنت تهذين يا "سعاد"، الآن وبعد كل ما قضيناه سوية .. بعد كل هذا تريدين مني أن أوافق على قرار أخرق كهذا ..

"أنت تكسرني يا مروان وأنا امرأة لا تنكسر، لا تنحني ومهما انحنت فإنها لا تقع، وإن وقعت فإنها لن ترتفع من جديد، ارحمني وارحم نفسك ودعنا نتخلص من هذا الألم الذي يرافقنا .. "..

لكنني أحبك .. ألا تفهمين هذا يا سعاد .. 

"الحب ليس كل شيء يا مروان، أنا أحبك جداً لكني لم أعد اطيق العيش معك، أكاد أفقد صبري ذات يوم وارحل دون وداع، لكنني لا أريد أن أكسر قلبي وأكسرك .. أرجوك يا مروان ..".

كان ذلك الطبيب النفسي البائس يتحدث ويتحدث لكنني لم أكن أصغي له، كنت أتأمل جبينه الذي كانت حبات العرق تسير عليه ببطئ. تجرعت قهوتي بصمت وصمم، ربما وصلت متأخراً جداً فلم يعد أي مما جرى يهم اليوم، لأنني كسرت قلبها وكسرتني!

"لقد اعتقدت أن خطتي هذه ستعالج كلاهما، المريض المصاب باكتئاب السرطان والمرأة التي كانت بحاجة إلى أحد يدعمها كي تستمر في هذه الحياة. كل ما كان بينهما هو معلومات وهمية أو افتراضية أحب كل منهما أن يقدمها للآخر، ما جعلني في الحقيقة أجمعهما كان التقارب الذي رأيته بينهما .. كانا كلاهما مولعاً بالموسيقى، ويشعر برغبة في مفارقة الحياة .. 

كانت طريقتي هذه تنجح في كل مرة. إلا مع "سعاد" التي لا أدري كيف فقدتها من بين يدي، إن انتحارها جعل مني طبيباً فاشلاً، لهذا استقلت عن عملي ووهبت نفسي لمزرعتي وحيواناتي.. لكن يا سيد "مروان" السيدة "سعاد" رحمها الله تركت لك مغلفاً عندي وأوصتني ذات يوم أن أوصله لك .. لكنني كنت في حالة صدمة و .. ".

كنت أسير بمحاذاة الشاطئ، كان هناك رجل يقف من بعيد مع أمرأة مسنة تبدو وكأنها أمه، كان ذلك الرجل يشبه "فؤاد" لدرجة أنني لم أستطع أن أتوقف عن النظر إليه، شعره الكث المتطاير وذقنه السوداء الشعثاء، وعيناه السوداوتان الكبيرتان اللتان كانتا تشعان شغفاً وحياتاً .. 

" لا أستطيع أن أمر أمام أي مرآة وأنظر إلى فؤاد وهو يتلاشى، فؤاد لا ينحني وإن انحنى لا يقع، وإن وقع فإنه لن ينهض من جديد .. ". قال لي ذات يوم وأنا أسير به وهو على ذلك الكرسي ذو العجلات، كان بائساً لدرجة أنه لم يبك رغم أن كل مافيه كل يفعل، كان يئن من الألم وهو يشد بيده على عجلتي الكرسي ويبتسم في نفس الوقت للعابرين، قال يوماً بشيء يشبه الهمس " السرطان هو غيابك يا أمي ". 

أدمعت عيني لكن كان من غير اللائق أن أبكي وأنا اواسيه، أن أكسر قلبه. 

وجدتني أهم واقفاً .. 

لا أريد أي شيء من "سعاد" .. "سعاد" رحلت وأخذت كل شيء معها، لا يهمني ما الذي تركته في ذلك المغلف، لا يهمني إن خانتني مع "فؤاد" أو مع رجل غيره، لا يهمني إن كسرت قلبي أم كسرتني .. 

سأغلق يوماً "بيت فؤاد" وارحل بحيث لا تأخذني قدماي إلى أي مكان يجمعني بما مضى، سأوضب "بيت فؤاد" بحب كأنني ارتبه في انتظار أن يعود "فؤاد" إليه، سأضع له وروداً في كل مكان، والموسيقا التي يحبها، أما منزلنا يا "سعاد" سأغلقه حتى الأبد، سأدعك تمضين في براحتك بهدوء وسلام، تعيدين تلاوة كلماتي وكلماتك .. لا أريد لهذا المكان أن يسكنه طيف سواك .. 

- يتبع - 



   نشر في 24 شتنبر 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا