استقطاب الاستثمار الأجنبي وعقلية الصفقات - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

استقطاب الاستثمار الأجنبي وعقلية الصفقات

الدكتور جمال المصري

  نشر في 19 ماي 2021  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

الدكتور جمال المصري

يجب ألا يكون اخفاق السياسات الاقتصادية في تشجيع الاستثمار المحلي وتنميته عبر تاريخ الأردن الاقتصادي مبررا لفتح الباب على مصراعيه أمام الاستثمارات الأجنبية دون قيود ودون معايير استراتيجية لاستراتيجية سياسات جذب الاستثمارات التي بقيت تصاغ وفق نظرة قاصرة تنظر إلى الاستثمار على أنه مجرد صفقة. وهي عقلية بقي يدار بها ملف الاستثمار حتى يومنا هذا في سياق من التقليد والرؤية الضيقة وتحت ضغط الترحيب الكبير من بعض الجهات والمؤسسات والفعاليات، والتي ربما غاب عنها الإدراك بأن الاستثمار ليس مجرد صفقة تقاس بحجم ارقام زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي بل علاقة راسخة مع أنشطة الأعمال المحلية والمستثمرين المحليين تضمن الاحتفاظ بالاستثمار وإدامة العلاقة مع المستثمرين الأجانب على أسس عدالة المصالح وعدم الإضرار بالاستثمار المحلي ومحركات التنمية وركائزها الوطنية، وهو أمر ما كان له أن يدرك إلا بالوقفة المستحقة والدراسة المتأنية لبحث دواعيه وأسبابه وتوقيته وأهدافه وتقييم التجربة الماضية، وهو ما لم يحصل جديا يوما ما حسب علمي ومعرفتي، وليس باستبدال استراتيجية ثبت فشلها بأخرى أو كلما تراجعت أرقام ذلك الاستثمار دون أن نكلف انفسنا عناء دراسة أسباب ذلك؛ والتي قد تكون لأسباب قد تتعلق بجاذبية الاستثمار لدينا وتقلص الحوافز الاقتصادية التي أضحت عاجزة عن تبديد حالة عدم التأكد وعدم اليقين والمخاطر أمام المستثمر، المحلي كما الأجنبي، والتي قد تمنعه من الاستثمار في أنشطتنا الاقتصادية أو من التوسع في استثماراته القائمة، وليس بسبب استراتيجيات الاستثمار وقوانينه وخطط الترويج له وقوة المؤسسات القائمة على ترويج الأردن استثماريا أو كفاءة القائمين عليها.

فالمستثمر ينشد الربح والعائد المجزي مع قليل من مستويات المخاطر، ويحتاج إلى الاطمئنان من افاق الاقتصاد التي تضمن له تحقيق تلك الفوائد؛ حيث أن الفوائد الحقيقية لأي استثمار تأتي في مرحلة تالية وليس مباشرة، وهي الفوائد التي لا تكون حقيقية ولا يضمن تحققها إلا أذا ما تحولت النظرة للاستثمار الأجنبي إلى ما اسميناه نظرة "العلاقة" بمفهومها الواسع والاقتصادي. وعندها فإن المستثمر الأجنبي سيسرع للاستثمار إذا ما تحققت له تلك المتطلبات المسبقة وتيقن من استمرارها كما يريدها، وقد لا نحتاج حينها للذهاب باحثين عن الاستثمار الأجنبي والترويج لاجتذابه لأنه سيأتي وحده. فما زلت اذكر حديث مدرس أحد المساقات الذي يتعلق بالاستثمار أثناء دراستي الجامعية حول ما يفسر هذه النقطة البديهية عندما قال " لو كنت مسؤولا عن تشجيع الاستثمار لما ابتدعت خططا ولما أطلقت حملات للترويج للاستثمار الأجنبي، بل كنت سأكتفي بنشر منحنى العائد والمخاطر (وهو مصطلح معروف للمختصين في الاقتصاد والمالية الدولية والاستثمار) للاستثمار في الأردن كدولة ولقائمة الفرص للمشاريع التي نرغب باستقطاب الاستثمارات إليها على المواقع الالكترونية للمؤسسات الاقتصادية وحتى على التلفاز ليكون بإمكان المستثمر تقييم قراراته ومقارنتها مع ذات المنحنيات للدول ألأخرى، لأن هذا ما يحدد قرار المستثمر وليس حملات الترويج التي لا جدوى منها إن لم تبرز خصائص الاستثمار في البلد وميزاته النسبية مقارنة مع الغير؛ حتى ولو كان ذلك من خلال رسم لمنحنيات بسيطة والتي قد تغني عن مئات الصفحات والاستراتيجيات".

فقلما نجد دراسة أو تقريرا تحليليا أو حديثا لمسؤول عن الاستثمار الاجنبي يتناول سلبيات الاستثمار الأجنبي واستراتيجيات تشجيع الاستثمار ويلقي الضوء عليها ويحذر من المخاطر والأثار التي يحملها الاستثمار الأجنبي على الاقتصاد الوطني وعلاقته بالاستثمار المحلي واسباب تراجعه وانكفائه في بعض المحطات، بمعنى خروج بعض رؤوس الأموال من العملية الإنتاجية، وكذلك انتقالها إلى دول أخرى يجدها المستثمرون ملاذا أكثر امنا واستقرارا؛ بما توفره من فرص مجزية للتوسع في الاستثمار وجني مزيد العوائد والمكاسب.

لا شك في أن جذب الاستثمار الأجنبي وتعزيزه والحفاظ عليه أمر في غاية الأهمية حيث تسعى كل الدول في جذب الحصة الأكبر من تدفقاته لتعزيز الاستثمار المحلي ودعم عملية الإنتاج والنمو والتنمية‘ لكنه ليس أمرا بلا قيود واعتبارات تضمن تحقق الأهداف الاستراتيجية والأهداف النهائية من وراء السماح له بالنفاذ إلى اسواقنا ومشاركة استثمارنا المحلي في عجلة انتاج اقتصادنا دون أن يكون منافسا له لاسيما في ظل الضغوط الفعلية من قبل المستثمرين الأجانب من الداخلين الجدد والحاليين لمنحهم المزيد من المرونة ومطالبتهم بحقوق اقتصادية وإعفاءات أكثر اتساعاً من تلك التي تتوفر للمستثمر المحلي، وهو ما قد يتسبب بالضغط على الاستثمارات الوطنية وخروجها من سوق المنافسة لاسيما في ضوء الإمكانات الكبيرة التي تتوفر للشركات الأجنبية ولا تتوفر للمحلية منها. وقد غدا التعامل مع الاستثمارات الأجنبية أكثر تعقيدا لاسيما في اعقاب الانفتاح الاقتصادي والعولمة التي بدأت في منتصف العقد الأخير من العام الماضي والتي ولدت واقعا جديدا يقضي بضرورة وجود اعتبارات عديدة تحتم على سياسات الاستثمار التعامل مع الاستثمارات الأجنبية على نحو أكثر قبولاً ووفق صيغة تمكن الاقتصاد الوطني من الاستفادة من تلك الاستثمارات وضمن ضوابط تحد من التأثيرات السلبية. فقد ساعد النظام الاقتصادي الذي تم تبنيه والقائم على مبدأ حرية السوق وسياسة الباب المفتوح على سهولة تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى الاقتصاد الوطني.

إن المشكلة مع الاستثمار الأجنبي وجذب ما يلبي منه الأهداف الاستراتيجية للاقتصاد الوطني هو غياب استراتيجية للاستثمار يفترض أن يكون هدفها الأول تعزيز الاستثمار المحلي والحفاظ عليه وتقديم الحوافز لتشجيعه كما تلك التي يحظى بها الاستثمار الأجنبي. ولا يعني ذلك أغلاق الباب في وجه الاستثمارات الأجنبية، بل على العكس من ذلك فيفترض أن تتعزز سياساتنا الاستثمارية وتركز على جذب المستثمرين الأجانب الذين بإمكانهم المساعدة في توفير فرص عمل جديدة ومستحدثة، واستقدام رأس المال والتكنولوجيا ونقل المعرفة، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون إلا من خلال علاقة تشاركية مع المستثمرين المحليين المقبلين على الاستثمار ولن يتحقق مع المترددين مع المستثمرين الأجانب الطامحين لتعظيم مكاسبهم وارباحهم بعقلية الصفقات بعيدا عن تحقيق الأهداف الوطنية للاقتصاد والذين لا يترددون إزاء حالات عدم اليقين والمخاطر التي قد تحصل بأن يولوا استثماراتهم القائمة ادبارهم. وقد يتطلب كل هذا إعادة النظر في التعامل مع الاستثمار الأجنبي باعتباره علاقة بين استثمارين وليس صفقة، وهي علاقة تكاملية ويجب وجود ما يضمن ترسيخها ويجب ألا يسمح لأي منهما بالتوسع أو التقدم دون الأخر أو أخذ مساحته.

وعليه، فإنه لا ينبغي أن يتم التعامل مع جميع أنواع الاستثمار الأجنبي المباشر بذات الأهمية في ظل أي استراتيجية أو سياسة للتعامل مع الاستثمار الأجنبي والموافقة عليه، إذ أن للأنواع المختلفة من الاستثمارات تأثيرات مختلفة يتوجب دراستها من حيث توجه الاستثمار الأجنبي المباشر إلى استخراج الموارد الطبيعية او جدوى الاستثمار الأولي على زيادة كفاءة الإنتاج وزيادة حجم الصادرات أو استبدال المستوردات، أو استقطاب معرفة وتكنولوجيا جديدة، على سبيل المثال، وذلك لتباين تأثيرات هذه الأمور جميعها على التنمية الاقتصادية بكافة ابعادها وعلى التقدم الاقتصادي ومستويات معيشة المواطنين وفرص عملهم. أي أنه يجب لهذه الاستراتيجية ضمان الربط بين أهداف الاستثمار والنتيجة النهائية لتلك الاستثمارات. ولا ينبغي أن يكون الهدف من سياسة الاستثمار هو الاختيار ما بين الاستثمار المحلي والأجنبي، وإنما الربط بينهما عن طريق سلسلة القيمة المضافة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية والذي يجب أن يواكب ذلك إصلاح مستمر للبيئة الاستثمارية والتشريعية الناظمة المنسجمة والمتوافقة مع اتفاقيات الاستثمار الدولية التي تحكم على نحو متزايد الإنتاج على المستويين المحلي والدولي.

لم يكن الاقتصاد الاردني يوما موصد الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية كي تدخل إلى قطاعاتنا أسواقنا المحلية بل كنا أكثر استعداداً لقبول الاستثمارات الأجنبية مندفعين للانفتاح من خلال الرغبة في تحقيق اندماج اقتصادنا بالاقتصاد العالمي لمواكبة التطورات التقنية والفنية والرغبة في تحقيق التطور العلمي والتنموي، وقد يكون هذا هو المحرك الأساس لدخولنا في برنامج التخاصية التي طالت كثير من الشركات والقطاعات التي كانت ملكية رأس مالها للحكومة ، وحتى في مؤسسات القطاع الخاص كالبنوك والفنادق وبعض الأنشطة الخدمية، وهو ما زاد من الحضور القوي لرأس المال الأجنبي مستفيداً مما توفره له البيئة الاقتصادية وأفاقها من مزايا ومكاسب. وكذلك فقد كان حضور راس المال الأجنبي من خلال قنوات مبادلة الدين بمشاريع الاستثمار والدعوات لإعطاء دور متزايد للقطاع الخاص في قيادة التنمية الاقتصادية في ظل ضغط الأوضاع الاقتصادية المتمثلة بمشاكل البطالة والعجز المزمن في الموازنات المالية للحكومة الذي بقي يقود إلى زيادة المديونية وتضاعفها عام بعد عام. ناهيك عن مطالبات واشتراطات المؤسسات والمنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية (التي أملت شكل اتفاقات التجارة الحرة مع بعض الدول فيما يتعلق بالأحكام المتعلقة بالاستثمار) ونادي باريس للحكومة بأن يتولى القطاع الخاص قيادة التنمية الاقتصادية، وهو دور لا يمكن للقطاع الخاص النجاح فيه دون استقطاب الاستثمارات الأجنبية الذي صب في تسهيل الحصول على استثمارات ومزيد من انفتاح الاقتصاد على الخارج.

فبينما قد نجد ما يبرر قبولنا بكثير من الاستثمارات الاجنبية وخصوصا خلال العقد الماضي وعدم وجود إطار منطقي ومدروس للتعامل مع الاستثمارات الأجنبية وضيق حرية الاختيار للاستثمارات التي تحقق أهداف التنمية الحقيقية، يجب ملاحظة غياب استراتيجية وطنية بإمكانها فرض علاقة راسخة ومتوازنة بين هذه الاستثمارات الأجنبية وأنشطة الاقتصاد والاستثمار المحلي الذي كان منسيا وحياديا في كل المشاريع التي طالتها عمليات الخصخصة ومبادلة بعضها بالدين لصالح الدائنين، وقد أسهم في كل ذلك واقع ضيق السوق الأردني وصغر حجمه وضعف بنيته الاقتصادية والفنية ومحدودية الطاقة الاستيعابية وشدة التأثر بالأوضاع الخارجية وعدم وجود قيود على أنواع الاستثمار الأجنبي والقدرة على توجيهها نحو قطاعات محددة ووفق الأولويات التي تكفل تحقيق الأهداف التنموية التي تقود للتطور والنماء وعلى العمالة الأجنبية والخبرة الفنية والتقنية التي جاءت بها تلك الاستثمارات بما يدعم تحقق تلك الأهداف المفترضة.

إن الحاجة لضرورة إيجاد اطار لاستراتيجية التعامل مع الاستثمارات الأجنبية والموافقة عليها وضمان النهوض بالاستثمار المحلي وفق صيغة تضمن العلاقة المتوازنة مع الاستثمار المحلي وتكمل دوره في تحقيق النتائج التنموية، بعيدا عن منطق الصفقات بلغة الأرقام وعن الهالة الاعلامية والتهليل من المسؤول ومن أقلام المحللين وحتى المواطن العادي الذي أدمن المديح والإشادة بالأرقام وحجم الصفقات دون أن يسأل عن تفاصيل الجدوى والفائدة من تلك الاستثمارات تماما كما يفعل عند استلام البلد منحا أو مساعدات، وهو الذي تجده أول من ينتقد تلك الاستثمارات اذا ما ظهرت أثارها السلبية وعدم فائدتها للاقتصاد الوطني بعد حين أو ثبوت أن هدفها هو السيطرة والاستحواذ والتحكم في السياسة الاقتصادية للبلد، وهو طبعا أي المواطن لا يلام على ذلك؛ فلا يمكن لوم الناس على أمالهم وتمنياتهم. وقد لا نحتاج للتدليل على الأثار السلبية لبعض الاستثمارات الأجنبية وسيطرتها على الأوضاع الاقتصادية والسياسة الاقتصادية في البلدان المستضيفة التذكير بأمثلة عديدة غدت معروفة، منها مثلا الأزمة المالية العنيفة التي حدثت ي المكسيك في عام 1994 وفي دول جنوب شرقي آسيا في عام 1997 التي جاءت نتيجة سيطرة رأس المال الأجنبي وانخراطه في المضاربات المضرة بالاقتصاد ومنافسة المستثمرين المحليين. لكن يمكن التدليل على ذلك من قراءة مثل هذه السلبيات من الشواهد العديدة لملف وأداء الاستثمار الأجنبي في الأردن عبر السنوات الماضية وكيف أنها شكلت تحديا للسياسة الاقتصادية واضرارها بالاستثمار المحلي دون أن يكون لها مكاسب وفوائد ذات قيمة على الاقتصاد الأردني أو مساهمة ذات أثر واضح في تحقيق التنمية وحل المشاكل والتحديات الاقتصادية وفي خلق فرص التوظيف للأردنيين بشكل ملحوظ أو تدريب العمالة والاردنية وتمكينها أو في نقل التكنولوجيا والخبرات والمعارف الفنية. وعلى العكس من هذا فقد ذهبت كثير من تلك الاستثمارات في بعض الحالات إلى مشاريع وأنشطة انتاجية لم تفد الاقتصاد الوطني بقدر ما أضرت به، وخاصة تلك المشاريع التي تعتمد على استيراد المواد الخام من الخارج واستقدام العمالة الأجنبية الرخيصة والذي كان من شأنه أن يؤدي إلى حرمان الاقتصاد الوطني من قيمة مضافة ذات أثر ومعنى لا تشكل اضافة حقيقية إلى الناتج المحلي الإجمالي فيما لو تم الاعتماد على استثمار الموارد المحلية المتاحة والعمالة الوطنية علاوة على أنها قد حلت مكان استثمارات محلية ومشاريع انتاجية كانت قائمة قبل وفود هذه الاستثمارات واخرجتها من السوق، ومن أمثلة تلك المشاريع مصانع الألبسة والاعمال التي تقتصر على التعبئة والتغليف والتشطيب والتي حضرت للاستفادة من تسهيلات المناطق الصناعية والمناطق الصناعية المؤهلة والميزات التي توفرها.

أما الأمثلة الأكثر وضوحا على ضحالة الفائدة التي عادت بها بعض الاستثمارات عل الاقتصاد الأردني بل في، فهي الاستثمارات التي جاءت على عربة تخاصية بعض القطاعات الحيوية كقطاع الطاقة والكهرباء التي استحوذ عليها المستثمرون الأجانب بثمن بخس دون أن يكون لهم أي دور في تعزيز الاستثمار في تلك القطاعات وتوسيع الاستثمارات وإدخال التكنولوجيا الحديثة. فكما يعترف تقرير لجنة تقييم لتخاصية التي تولى الدكتور عمر الرزاز رئاستها فإن خصخصة قطاع الكهرباء ا لم تنجح في تحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة منها سواء، أكانت بتعظيم الاستثمار الاستراتيجي، أو بحماية الخزينة من تبعات زيادة كلفة الوقود، أو بزيادة كفاءة القطاع، أو تنويع مصادر الطاقة. وعزا التقرير ذلك الى أنه قد تم التعاقد مع مستثمر مالي بدلاً عن مستثمر استراتيجي في قطاع الإنتاج ضمن ترتيبات حملت الشركة كافة المخاطر المالية التي تتحملها الحكومة في المحصلة علاوة على تحملها دفع ثمن عجز وضعف محطات وشبكات التوزيع وثمن الفاقد. وما يبعث على الاستغراب والريبة والحيرة استمرار الارتهان لهذه الاتفاقات على حساب الصالح العام من خلال ارتفاع اسعار الطاقة التي ارهقت كاهل المواطن واضرت بتنافسية الصناعات والأنشطة الإنتاجية دون مبرر؛ ذلك أنها جعلت ’’ الغُرْم’’ كله للحكومة الذي يرحل للمواطن والاقتصاد بالتالي، بينما ’’ الغُنْم’’ غير ناقص للمستثمر الأجنبي التي الت إليه ملكية شركات الكهرباء التي تم خصخصتها. ولا يتوقف الاستثمار الأجنبي في تحديه للسياسة الاقتصادية للدولة الأردنية في قطاع الطاقة هنا، فما زلنا نتابع قرار الحكومة باللجوء إلى التحكيم الدولي في محاولة لثني الشركة التي آل إليها الاستثمار في استخراج الصخر الزيتي في مشروع العطارات عن محاولتها لفرض أسعار للطاقة الكهربائية المنتجة باستخدام الصخر الزيتي وإثبات الغبن الفاحش.

ولم يكن الاستثمار الأجنبي أفضل حالا في إطار خصخصة شركة الإسمنت ومنح رخصة أمنية الأولى وشركة الفوسفات منه في تجربة تخاصية شركات توليد وتوزيع الكهرباء، كونها لم تأتي منسجمة مع الممارسات الفضلى في التنفيذ حسب اعتراف تقرير تقييم التخاصية أيضا. وليس هذا وحسب، فحتى الاستثمارات التي توجهت للقطاعات الخدمية فسرعان ما عادت وانسحبت بعد سنوات بعد أن استفادت من حجم المكاسب الكبير؛ فعادة ما تتسم الاستثمارات الأجنبية قصيرة المدى في اختيار القطاعات الخدمية بدل من القطاعات الصناعية وعلى رأسها الصناعة لتحقيق مكاسب وقتية في ظل غياب استراتيجية للتنمية في الدولة المستقبلة لهذه الاستثمارات وأحيانا ضعف القوانين والتشريعات. وهو ما حدث فعلا فيما يتعلق ببعض الاستثمارات في بعض البنوك وفي الملكية الأردنية وغيرها من الأنشطة عندما قام بعض المستثمرين ببيع استثماراتهم والتي آل كثير منها إلى صندوق استثمار الضمان الاجتماعي ليضيع الفرصة لاستثمار أموال الصندوق في قطاعات أخرى قد يحتاجها الاقتصاد.

علاوة على أن وجود الاستثمارات الأجنبية يمكن ان يزيح الاستثمار المحلي ويضر بفرصه ويقلصها، فأنه يشكل تسربا للاحتياطيات من العملات الصعبة من الاقتصاد الوطني على شكل أرباح لاستثماراتهم يحرصون على تحويلها إلى بلدانهم في الخارج. وهي تدفقات لا يستهان بها؛ حيث بلغت في السنوات الأخيرة حوالي 1.1 مليار دولار بالمتوسط سنويا.

من هذا، فينبغي أن يتم تطوير الأطر التي تقوم عيلها استراتيجياتنا وسياساتنا لتشجيع الاستثمارات بحيث تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الاستثمارات الأجنبية عندما ندعو لفتح أسواقنا أمامها، و التي تعلي من أهمية دراسة أبعاد ودوافع الاستثمارات الأجنبية وتحديد قنوات الاستثمار والقطاعات الإنتاجية التي نرغب بتوجيه الاستثمار نحوها ولاسيما في إنتاج السلع القابلة للتصدير وأن يخضع تشجيع الاستثمارات الأجنبية للتخطيط الحصيف من خلال استراتيجية تنظر للاستثمار على أنه علاقة مع الاستثمار المحلي لا انفصال بينهما، وتحول دون تردد المستثمر المحلي ودفعه إلى خارج الاقتصاد الوطني أينما وجد فرصا بديلة تضمن له تحقيق عوائد أفضل من العوائد التي تتوفر له في الوطن، وهي بالمناسبة ذات الفرص التي تدفع المستثمر الأجنبي للاستثمار في اقتصادنا او حتى الاستمرار؛ والتي تقلصت إلى حدود منفرة وطاردة للاستثمار بسبب ارتفاع التكاليف المتأتية من عديد الضرائب والرسوم العالية ومن غلاء أسعار الطاقة ومستلزمات الإنتاج وغياب الحوافز التي تضمن استدامة مشاريعهم وارباحها وتحقيق الأهداف من إنشائها، بما يصب في تعظيم النمو الاقتصادي وتمتين محركات التنمية والعمل والتحسين المستمر للظروف المعيشية للجميع وأداء القطاعات كافة بدلا من الأحوال التي يعيشها اقتصادنا الوطني منذ سنوات والتي لا تخفى على أحد ولا يمكن إنكارها.



   نشر في 19 ماي 2021  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا