عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل) متفق عليه
وروى البخاري عن شقيق قال: كنت مع عبد الله وأبي موسى فقالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع العلم).
وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يتقارب الزمان، ويقبض العلم، وتظهر الفتن، ويلقي الشح، ويكثر الهرج)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا(. رواه البخاري
المراد بالعلم هنا هو علم الكتاب والسنة والعلماء هم ورثة الأنبياء الذين يعلمون الناس الخير ويحذرونهم من الشر وهم المنارات التي يهتدي بها الناس في ظلمات الجهل وغياهب الفتن.
وما تزال الدنيا بخير ما دام فيها علماء ربانيون لا يخافون في الله لومة لائم ولا يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل مهما ادلهمت عليهم الخطوب ومهما أظلمت أمامهم السبل ، فهم يحملون النور في صدورهم ويستمدون القوة واليقين من صاحب العزة والجبروت الذي أخذ عليهم الميثاق بأن يعلموا الناس ولا يكتموا العلم عن طالبيه. رُوي عن علي رضي الله عنه أنه قال: ما أخذ الله على الجاهلين أن يتعلموا، حتى أخذ على العلماء أن يُعلِّموا.
قال تعالى : (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) آل عمران
كما أمر الله سبحانه الناس صراحة باللجوء إلى أهل العلم في كل أمر من أمورهم فقال (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) الأنبياء
وإذا مات العالم – والموت نهاية كل حي-نقص العلم، فالعالم يموت بما معه من علم، وتعظم المصيبة إذا مات هذا العالم ولم يورث علمه لأحد لأسباب متعلقة بالعالم نفسه أو لأسباب متعلقة بظروف المجتمعات التي نعيش فيها والتي لا تعير اهتماما للعلم والعلماء كما تفعل مع لاعبي كرة القدم و الممثلين.
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي أثناء حروب الردة لاحظ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن كثيرا من علماء الصحابة من حملة القرآن سقطوا شهداء في المعارك فارتاع لهذا الأمر وخاف أن يموت حملة القرآن ويضيع بموتهم فهرع إلى الخليفة أبي بكر الصديق وعرض عليه جمع القرآن قبل أن تأتي المعارك على القراء.
عن زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عِنْدَهُ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ : إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْآنِ ، قُلْتُ لِعُمَرَ : كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ) رواه البخاري
ولقد أصاب عمر رضي الله عنه عندما اقترح جمع القرآن وأخذ ينافح عن رأيه حتى شرح الله له الصدور وفتح له العقول وكان خيرا للأمة الإسلامية وحفظا لكتابها العزيز.
ومما يحزن القلب – ونحن نعيش حاليا تحت ظلال جائحة فايروس كورونا - موت كثير من العلماء الربانيين الذين عاشوا حياتهم داعين إلى الل ومربين ومعلمين.
مات عدد من علماء الشام ..
ومات في مصر كثيرون من أهل العلم...
ومات في بلاد المغرب أناس
وفي صبيحة يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر ديسمبر 2020 تخطفت أيدي المنون الرجل الصالح والعالم الزاهد فضيلة الشيخ السيد مصطفى جويل من علماء الأسكندرية.
عرفت الشيخ سيد – رحمه الله-قرابة ثلاثة عشر عاما بمدارس الرواد بمدينة الرياض حيث كان يعمل مشرفا لمادة التربية الإسلامية بالمدارس.
كان الشيخ رحمه الله ودودا بشوشا دائم الابتسام يلتف حوله الكبار والصغار ويستشيرونه فيما يطرأ لهم من أمور الدنيا والآخرة، وكان لا يألوا جهدا في تقديم يد العون والمشورة.
أحبه الناس جميعا واتفق على ورعه وزهده وتقواه وعلمه جميع الناس على اختلاف أفكارهم وتنوع مشاربهم.
أحبه المصريون وأحبه أهل الشام وأهل السودان وكل من عمل معه أو التقى به ولو لحظات قليله.
وضع الله محبته واحترامه في قلوب الناس جميعا ووضع له القبول في الأرض.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه. فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض) رواه البخاري.
كان الرجل محبا لعلم الحديث متبحرا فيه، قضى وقتا كبيرا من عمره في البحث فيه وتعليمه للناس، وكان شديد التمسك بالسنة.
سمعنا منه شرح أحاديث رياض الصالحين واستفدنا من إضافاته وتعليقاته على شرح ابن مفلح رحم الله الجميع.
كان المعلمون يحتشدون في مسرح المدارس لسماع محاضراته كأن الطير على رؤوسهم، وكان شيخنا صاحب أسلوب رائع في التعليم، يوزع الثناء على الحاضرين ويعطي الجوائز للمتفاعلين ويخاطب كل شخص بأحب الأسماء إليه على كثرة الحاضرين واختلاف بلدانهم.
كان الشيخ-رحمه الله-لا يضيع ثانية من وقته، تدخل عليه مكتبه تجده يقرأ أو يبحث أو يلخص.
كان الشيخ – رحمه الله – شديد الورع، لم نسمعه يوما ذكر إنسانا بسوء، ولا سمح بذلك في مجلس هو فيه، وإذا تحدث أمامه شخص عن آخر شاكيا طلب منه الدعاء له بالهداية وصلاح الحال. ما أرقى هذه النفوس وما أنقى هذه القلوب.
كان – رحمه الله-من أشد الناس إخلاصا في عمله حريصا على أن يغرس في الناشئة حب القرآن والسنة.
حضر حصة قرآن لأحد المعلمين فوجده لا يحسن القراءة فطلب منه دون أن يحرجه أن يجلس مع معلم آخر ليقرأ عليه القرآن أو على الأقل السور التي يدرسها للطلاب ولكن المعلم لم يكن حريصا على طلب العلم ولم يواظب على التعلم ولما يئس منه الشيخ نصحه بأن يترك مهنة التعليم رأفة بأبناء المسلمين.
كان – رحمه الله-ينصح دائما محبيه بأن يكون للمرء منهم خبيئة بينه وبين الله عز وجل، عمل صالح يكون بينه وبين الله بعيدا عن أعين الناس حتى أقرب الناس إليه.
أي خبيئة كانت بينك وبين ربك أيها الشيخ، جعلت الناس جميعا يجلونك ويهابونك، الصالح منهم والطالح.
في يوم من الأيام طلبني الشيخ-رحمه الله-في مكتبه وبعد أن سألني عن أحوالي كعادته واطمأن على أسرتي، أخرج من جيبه مبلغا كبيرا من المال وقال لي تصدق به، فسألته: أتصدق على من في الرياض والناس هنا في سعة وبحبوحة من العيش؟ فقال لي: لن تعدم محتاجا وقد صدق.
رحم الله الشيخ السيد مصطفى جويل، وتقبله في الصالحين، وأجزل له المثوبة والعطاء، وجعل مسكنه في عليين. اللهم آمين.
-
جهلان إسماعيلأبحث عن الحقيقة وأنشد الصواب في عالم اختلطت فيه أفكار البشر بهدايات السماء وظلمات الباطل بنور الحق.