فتّشتُ في رفُوفِ الذَّاكرةِ الملقاةِ في دهَاليزِ الحياةِ لمحتُ رفّاً مَوسُوماً بختمٍ " أحلامٌ مَوؤودة " سَاوَرني الارتِباكُ في فتحِهِ لَكنّ الفضولَ دَفعَنِي نَحوَهُ ،وَجدتُهُ يَعجُّ بِأُمنياتِ فتيَاتِِ في العشرينيات من أعمارِهُن ، نَكّلَ الواقعُ بأَحلامِهِنَّ بالتّعاونِ مع أهلهِن ،فيهنَّ من أصبحَت أُمَّاً وربّةَ بيتٍ بينَ عَشيّةٍ وضُحاهَا تَحمِلُ على عاتقِهَا مَسؤوليةً أكبرَ مِن سنِّهَا، دفَعَت ثَمنَ آمالِهَا لتَكريسِ حياةِ غَيرِهَا ،أنضَجَها الواقعُ تَحتَ قُدرةِ الظّروفِ .فيهِن من شَبعَت ذُلّاً وشتّى الإهَانَات حتّى تَجشّأت همّاً وغمًا ،منهُنَّ من كَانَت تَحتَ رَحمةِ طاغيةٍ يوشمِ كدماتِ قوسٍ قزحيّةِ اللّونِ تَملأُ تَفاصيلَ وأنحاءَ جِسمِهَا ،نَالَت نَصيبَها مِنَ القَلقِ وخوفِ عودَتِهِ للّبَيت، وهُوَ يَترنَّحُ في مُختَلَفِ أرجَائِهِ مُستَعيناً بِكَتِفِهَا الّذي مِن شِدّةِ الحملِ هوى عن الكَتفٌ الأُخرى ،وأثناءِ صَحوَتِهِ من عالمِ الكحولِ يتفرَّغُ لِمراهَقَتِهِ المتأخّرة على وسائلِ التّواصُلِ الاجتماعي .
أَلقيتُ نَظرَةً على رفٍّ آخرَ استَهوَتنِي ثلاثينيّةُ العمرِ أضحَت عِبئاً على والِديهَا لأنّ الحظَّ لم يُحالِفهَا في الحصولِ على عملٍ ، تَتَحاشى سهمَ الحاجةِ لهُم ، إلّا أنّهُ كان يَرمِيها في رُكنِهِم كُلَّ مَرَّةٍ مِمّا نَصّبَهُ سَادَةُ قَراراتِهَا ،تَراكَمَ التَّخمينُ وغَمرَ جُلَّ حَياتِها كَزهرةٍ تَسلّلَ الذّبُولُ لأوراقِها الفتيَّةِ ،مِنهُم ثميناتٌ تَجاوَزَتهُم السّنينُ وترَكَـتهُمُ في درجٍ مَهجور، خيَّمَ اليأسُ عَليهِنّ واغتَالَتهُنّ نظرةُ النّـاسِ إليهِنّ والحسّرةُ تُقطِّعُ دواخِلَهُن الّتي نَخرتهَا الأيامُ . في دَهليزٍ أكثرَ ظُلمَةٍ مِن هذهِ الدهاليز ، هنالك وجدتُ أملَ أمٍّ في ابنَائِها بأن يَردّوا قِسطاً مِن تَعبِهَا الّذي احتَوتهُ خَيبَتُها في عُمقِ فُؤادِهَا الَّذي يَنزِفُ نَدماً ،ظنَّت أنّها أنجَبَت أسوداً تَحتَمي في عَرينِهم من جورِ الأيّامِ لتَكتَشِفَ أنَّها من ثامِنِ معجزاتِ الحياة .
رُفوفّ كثيرةَ فَاقَت قُدرَتَها الاستِيعابيّة ،سَكبتُ مرهمَ حروفي ليَكونَ ضَماداً لها يُخَفّفُ آلامَ أرواحٍ أنهَكهَا مرسومُ القدرِ .