حروب بطاقات الإئتمان - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حروب بطاقات الإئتمان

  نشر في 09 غشت 2018 .

حروب بطاقات الإئتمان
تأليف: ستيفاني سافيل
ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

تشن الولايات المتحدة “حروب بطاقات الإئتمان” بداعي مكافحة الإرهاب في أفغانستان والعراق وسوريا ومناطق أخرى. لم يسبق لهذه البلاد أن اعتمدت بشكل كبير على الإنفاق بالاقتراض لتمويل صراعاتها. ويتوقع أن تكون العواقب مدمرة على المدى الطويل للسلامة المالية الأمريكية ولكنها تتعدى كثيراً الإقتصاد البحت. وسيكون لمستويات الدين المهولة المرتبطة بالحرب انعكاسات مستديمة من كافة الأنواع

وكما ذكرت دراسة حديثة أن من بين الآثار المدمرة الممكنة المزيد من عدم المساواة المجتمعية

وبتعبير آخر فإن التكاليف المتفاقمة لأطول حرب في التاريخ الأمريكي-الجارية منذ 17 سنة منذ غزو افغانستان في تشرين الأول عام 2001- ستؤجل إلى المستقبل. وبذلك تسهم الحكومة بعدم المساواة المتنامية على مستوى الدخل في هذه البلاد

أنفقت الولايات المتحدة منذ أحداث 11 أيلول عام 2001 أكثر من 5.6 تريليون دولار في حربها على الإرهاب وفق مشروع كلف الحرب الذي أشارك في إدارته في جامعة براون –معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة. وهو رقم يفوق تقديرات البنتاجون التي تصل إلى 1.5 تريليون دولار والتي تحتسب التكاليف المرتبطة لما يسمى “العمليات العارضة عبر البحار” وهي وعاء من الأموال الإضافية خارج الميزانية السنوية مخصص لتمويل العمليات الحربية. يشمل رقم 5.6 تريليون دولار من ناحية أخرى ما أنفقته الولايات المتحدة على العمليات القتالية عبر البحار في العراق وأفغانستان وباكستان وسوريا وحصص إنفاق على الأمن الداخلي المرتبطة بمكافحة الإرهاب على الأرض الأمريكية والالتزامات المستقبلية للعناية بجرحى العسكريين ما بعد 11 أيلول. إن العبئ المالي لحرب ما بعد 11 أيلول عبر الشرق الأوسط الكبير — والتي لا تزال تتمدد عبر أفريقيا ومناطق أخرى — أكبر مما يدركه معظم أبناء الشعب الأمريكي

عدلت الولايات المتحدة خلال الحروب السابقة ميزانيتها بشكل ملائم عن طريق رفع الضرائب لتمويل صراعاتها من بين وسائل أخرى. ولكن منذ عام 2001 عندما أطلق الرئيس جورج بوش “الحرب العالمية على الإرهاب” راكمت البلاد كمية هائلة من الدين. وحتى لو توقفت واشنطن عن الإنفاق على حروبها يوم غد سنبقى مدينين بأكثر من 8 تريليون دولار قيمة الفوائد وحدها بحلول عام 2050

من الصعب قياس ما سيفعله مستوى الدين الهائل بمجتمعنا واقتصادنا. تقدم دراسة جديدة لتكاليف الحرب قامت بها المؤرخة وعالمة العلوم السياسية روزيلا زيلينسكي إرهاصات مبكرة حول تأثيرها هنا. وتنظر إلى طريقة تمويل الولايات المتحدة لنزاعاتها منذ عام 1812 وصولاً إلى الحربين العالميتين وحرب فيتنام إلى الحرب الراهنة على الإرهاب

استخدمت مجموعة من الضرائب وبيع السندات ومعايير أخرى لجمع الأموال لخوض مثل تلك الصراعات ولم تعتمد أي إستراتيجية مالية على الاقتراض المكثف حتى هذا القرن

وتستكشف دراستها مدى تأثير كل نوع من تمويل الحرب على مستويات عدم المساواة في هذه البلاد في أعقاب تلك الحروب

إن مضامين وتأثيرات الدين مباشرة ومؤلمة بشكل باد للعيان

تنبئ إزدواجية الإنفاق الإفتراضي و الاقتطاعات الضريبية بكارثة ماحقة تحيط بأي أمل في تخفيض الفجوة المرعبة في مستوى عدم المساواة. ويغذي إنفاق حروب بطاقات الإئتمان المستويات الدرامية في تباين الغنى الذي دفع بعض المراقبين للقول إننا نعيش في العصر المذهب الجديد الذي يذكرنا بالهوة الضخمة بين نمط حياة النخبة المترفة والفقر الماحق الذي عانت منه الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي في أواخر القرن التاسع عشر

تميز زيلنسكي بين مضاعفات الطرق المستخدمة لتمويل عدة حروب على مستويات التفاوت الإجتماعي خلال الحرب الأهلية حيث اعتمدت الحكومة مثلاً على القروض من الأفراد بشكل أساسي. وبعد إنتهاء الحرب توجب على المواطنين تسديد تلك القروض مع فوائدها والتي كانت بمثابة منجم من الثراء للنخبة المالية وخاصة في الشمال. وأصبح المقرضون الأغنياء أكثر غنى والفقراء الذين دفعوا لهم أشد فقراً

وبالمقارنة أطلقت الحكومة خلال الحرب العالمية الأولى حملة سندات الحرب التي استهدفت ذوي الدخل المحدود. عرضت طوابع التوفير أثناء الحرب إبتداءً من 25 سنت وشهادات التوفير إبتداء من 25 دولار. وتمكن أي مواطن قادر على دفع القسط الأولي من شراء سند حرب بقيمة 50 دولار وتسديد الباقي عبر دفعات لاحقة. وبتلك الطريقة شجع الجهد الحربي على التوفير واسترجع عدد لا بأس به من الأمريكان أموالهم مع فوائدها مما خفف من مستويات التفاوت الطبقي أثناء تلك المرحلة

تنوعت استراتيجيات فرض الضرائب خلال فترات متغيرة من الحروب. مثلاً رفعت الحكومة معدل الضريبة خمس مرات خلال الحرب العالمية الثانية ما بين عام 1940 و1944 حيث استهدفت الشرائح العليا من الدخول (لغاية 65% من الدخل الذي يتجاوز مليون دولار). ونتيجة لذلك وبالرغم من مراكمة الحكومة لدين عظيم في أعقاب صراع عالمي جرى على جبهات عديدة لم يكن التأثير على ذوي الدخل المحدود بذلك السوء

بدأت حقبة حرب فيتنام بتخفيض ضريبي وتوجب على الولايات المتحدة بعد إنتهاء ذلك الصراع الكارثي التعامل مع مستويات غير مسبوقة من التضخم. واشتدت الوطأة على ذوي الدخل المحدود بسبب التكاليف العالية مما أدى إلى تباين مجتمعي أكبر

تمول الحروب اليوم بشكل شبه كامل عبر القروض — 60% من الأفراد والوكالات الحكومية الغنية مثل الإحتياطي الفدرالي و40% من المقرضين الأجانب. وعندما بدأت واشنطن الحرب على الإرهاب في تشرين الأول عام 2001 استهلت الحكومة مجموعة من التخفيضات الضريبية وهو توجه استمر منذ ذلك الحين. واستمرت استراتيجيات تمويل الحرب التي ابتدأها الرئيس جورج بوش دون تغيرات مهمة في عهد أوباما وترامب. ( رفع أوباما بعض الضرائب ولكنه لم يحور التوجه نحو التخفيضات الضريبية) كما أدى مشروع التعديل الضريبي للرئيس ترامب والذي أجيز من قبل الكونغرس في كانون الأول عام 2017 — وهو حلم ل1% من السكان- إلى تضخيم تلك التخفيضات.

وبتعبير آخر زاوجت الولايات المتحدة في هذا القرن بين أنماط الاقتراض المحلي للحرب الأهلية مع التخفيضات الضريبية لحقبة حرب فيتنام. ويعني ذلك شيئا متوقعا: ارتفاع معدل التفاوت في بلد تتجه فيه فجوة تباين الدخل نحو مستويات قياسية

ومما فاقم العبئ المستقبلي لذلك إعتماد الاقتراض الحكومي زمن الحرب لأول مرة على الدين الخارجي بشكل كبير.

ولا يوجد طريقة لمعرفة مدى تأثير ذلك على عدم المساواة على المدى البعيد ولكن ثمة أمر جلي بدا يتبدى للعيان: إنتقال الغنى إلى خارج البلاد

تقول الإقتصادية ليندا بيلمز أن هناك عامل جديد مشمول بتمويل واشنطن لحروب اليوم. ففي حروب أمريكا السابقة وبعد الفترة الأولية حولت مصاريف الحرب إلى الميزانية الدفاعية الإعتيادية. ومنذ عام 2001 مولت الحرب على الإرهاب عن طريق الاعتمادات المالية الإضافية(تلك العمليات العرضية عبر البحار) المعرضة قليلا للرقابة

ويمكن النظر إلى تلك العمليات كأموال جانبية تضمن شيئا واحدا: أن التأثير الفعلي لتمويل الحرب في هذه الحقبة لن يظهر إلا بعد مرور زمن طويل لإن مثل تلك الاعتمادات المالية معفاة من سقوف الإنفاق ولا يتوجب تعديلها في مكان ما من الميزانية

وبحسب بيلمز” إن هذه العملية أقل شفافية ومصداقية وجعلت كلفة الحروب محجوبة عن الأنظار.”

وحسبت، كمعيار للتأثير الخفي لتمويل الحرب في واشنطن ومناطق أخرى، أن لجنة الدفاع للاعتمادات الإضافية في الكونجرس ناقشت تمويل الحرب في 79% من جلساتها خلال حرب فيتنام ولكنها لم تقم بنقاش مماثل منذ أحداث 11 أيلول إلا في 17% من جلساتها.أما لجنة التمويل في الكونجرس فلم تناقش استراتيجية تمويل الحرب بطريقة مستفيضة سوى مرة وحيدة خلال 17 سنة

المبادلات الخفية والتكاليف المؤجلة

يكمن تأثير معايير هذا القرن غير المسبوقة للتمويل في معظم الأحيان في عدم شعور الشعب الأمريكي بالثقل المالي لتلك الحروب التي تشنها هذه الحكومة — أو أنهم يشعرون بها ولكن لا يدركون ماهيتها. ويتناغم ذلك بشكل جيد مع الحروب ذاتها، التي تقاتل فيها قوات غير إلزامية في أراض بعيدة وتتعرض للتجاهل في هذه البلاد(على الأقل منذ الاحتجاجات الشعبية ضد غزو العراق والتي انتهت في ربيع عام 2003) كما تم تجاهل عقابيل تلك الحروب على المستوى المالي وغيره

ولكن الأمريكان بدأوا بالشعور بتكاليف حروبهم بعد 11 أيلول. تلك الكلف التي رفعت إلى حد كبير من ميزانية البنتاغون والأموال التي تذهب لصالح ميزانية الإنفاق على الأمن القومي وتخفيض الأموال المخصصة لبقية الأشياء من الإستثمار في البنية التحتية إلى العلوم. ارتفع الإنفاق العسكري في العقد التالي ل 11 أيلول عام 2001 بمعدل 50% بينما ازداد الإنفاق على البرامج الحكومية الأخرى بمعدل 13.5%.

كيف تج هذه المقايضة بالضبط؟

يشرح مشروع الأولويات الوطنية الأمر بشكل جيد. تتفاوض الحكومة كل عام على مستويات الإنفاق التقديري( كأمر مميز عن الإنفاق الإلزامي الذي يتألف إلى حد كبير من الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية). وفي عام 2001 كان تمويل الإنفاق التقديري الدفاعي أقل من الإنفاق على البرامج غير الدفاعية ولكن الحرب على الإرهاب ضخمت الإنفاق العسكري بالمقارنة مع أجزاء أخرى من الميزانية. وفي عام 2017 شكل الإنفاق العسكري المتعلق بالأمن القومي 53% من الإنفاق التقديري . وخصصت حزمة الإنفاق عام 2018 والتي حظيت بموافقة الكونجرس 700 مليار دولار للجانب العسكري و 591 مليار دولار للغايات غير العسكرية. مما ترك النسبة قريبة إلى حد ما.( ويجب الأخذ بعين الإعتبار أن هذه المبالغ لم تضم الأموال الذاهبة لتمويل العمليات العارضة عبر البحار)

وسترفع مقترحات الرئيس ترامب، في حال قبولها من قبل الكونجرس، للإنفاق المستقبلي ميزانية الإنفاق العسكري إلى 65%

سيؤدي الارتفاع في المصاريف العسكرية المتعلقة بالحرب إلى خسارة في مناطق أخرى من التمويل الفيدرالي مثل الجسور المتداعية والعدالة العرقية والإسكان والرعاية الصحية والتعليم والتغير المناخي التي تتأثر كلها بمدى إنفاق هذه البلاد على الحرب

ومع ذلك نجحت الحكومة في تحويل تكاليف حروبها اللامنتهية نحو المستقبل بفضل نموذج بطاقات الائتمان لتمويل الحرب.

ويساهم ذلك في لامبالاة معظم الأمريكيين وعدم شعورهم بأن بلادهم تخوض حربا أزلية

تقول المحللة السياسية وعالمة العلوم السياسية سارة كريبس أن الأمريكان لا يشعرون بالحرب إلا عند اضطرارهم لدفع تكاليفها. وكتبت في خضم تفحصها لتاريخ تمويل الحروب الأمريكية “ تحدث رؤية الضرائب حافزا للأفراد لتفحص الخدمات التي تستخدم تلك الموارد.”

لو فرضت ضرائب حرب اليوم لدفعت الأمريكان للتساؤل عن تكاليف وعواقب حروب بلادهم والتي تختفي اليوم من النقاش الشعبي اليوم

ستنبه المطالبة بميزانية حقيقية للحرب الأمريكان إلى آثارها(عليهم) وستكون وسيلة ممكنة تمكن المواطنين من التأثير على السياسة الخارجية للبلاد وتضغط على المسؤولين المنتخبين لوضع نهاية لتلك الحروب

بدأت بعض المجموعات المدنية والنشطاء بالدفع نحو تخفيض ميزانية البنتاجون التي ارتفعت بسبب الحرب والفساد ودعاة الحروب. وهم يعارضون سطوة المجمع العسكري- الصناعي المتصاعدة والحروب التي نظموها في تمويلهم وبطرق عديدة أخرى غير مرئية

إن من يهتم بمستقبل البلاد الإقتصادي يجب أن لا يفرط في ضم استراتيجيات تمويل الحرب من بين التحديات المالية الأكثر أهمية للبلاد. وسيبدأ كل من يهتم بتحسين الديمقراطية الأمريكية ورفاه شعبها بوصل نقاط الميزانية.

وكلما زادت الأموال المصروفة على النشاطات العسكرية في هذه البلاد كلما تضاعف استنفاذ الصناديق الحكومية لدفع فوائد القروض المتعلقة بالحرب ونقص التمويل للغايات الأخرى

وباختصار حان الوقت للأمريكان القلقين بشأن العيش في بلد قد تفوق فيه الهوة في عدم المساواة معدل العصر المذهب للإهتمام بشكل جديد حروبنا ذات بطاقات الإئتمان

المصدر:

Tomgram: Sephanie Savell, How America`Wars Fund Inequality at Home

June 28, 2018

Tomdispatch.com



   نشر في 09 غشت 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا