يتحدث البعض عن الحب باعتباره حاجة إنسانية وغريزة مجردة، بقطع النظر تمامًا عن شخص المحبوب، وكأن الحب طاقة تصرف في أي سبيل، أو ثقب يرتق بأي خرقة، لكن الفرق كبير بين الغرائز، وفرق بين الحب والأكل.
غريزة الجوع من الممكن أن تُسَدَّ بأي نوع من الطعام، قد تتفاوت الأطعمة في جودتها ولذتها وفائدتها، وقد تتنوع حولها الأذواق، لكنك في النهاية قد تدخل المطبخ لتختار شيئًا مناسبًا تأكله وحسب، وإن لم تجد دجاجًا قد تأكل سمكًا وقد تسد جوعك بلقمة خبز حاف!
لكن الحب ليس كذلك! إن جُعتَ تجوع حبًا لشخصٍ معين، ولا تسد الدنيا كلها _وإن اجتمعت في يديك_ رمقك!
وإن كان الجائع قد يَحُلُّ طعامٌ عنده محلَّ طعام فيقيم صلبه، إلا أن المحب لا يعوض شيءٌ حبَّه.
لا يموت من حُرِمَ اللحم، بل في منع بعض الطعام حياة، لكن المحروم من محبوبه قد يموت، سواءً ما فهمت أنني أعني الموت الحقيقي، أم موت النفس الذي لا يحيى بعده الإنسان إلا كالخِرقَة البالية، ولا يتحرك إلا كما تتحرك الآلة!
حتى إن أحببتَ الشخص الخطأ قد تشعر بشِبَع مؤقت وخادع، أومتصنع، ولكنك تظل تشعر بالجوع مهما فعلت، تظل تزدرد المشاعر بنَهَمٍ حتى تسيل من على فمك وتسقط أمامك وأنت متخمٌ تمامًا لا تعرف كيف لم تشبع بعد؟!
يتعامل البعض _ممن لا أظنهم أحبوا يومًا_ مع الحب بسذاجة عجيبة! يريدون أن يواسوا حبيبًا مفارقًا فيقولون: "تحب غيرها"، دعك من كونهم جعلوا الحب سلعة تختار من تعطيه إياها ومن تمنعه منها، ولكن أين قدسية الحب؟ هل تتوقعون من هذا الذي فتح قلبه لمن دقّتْه، وأغلقه خلفها أن يفتح لغيرها، أو أن يترك الباب مواربًا يدخل ويخرج منه السائحون؟!
يشعرونك أن صفحة الماضي خفيفة كصفحات الورق، أما يعلمون أن هذه الصفحات تحمل أثقالًا من المشاعر والذكريات والأشخاص والدموع والآلام والآمال؟
في نفسي كلمة أقولها كلما رأيت أحدًا يتحدث عن الحب هكذا: "ليت الأمر بهذه السهولة!".
-
عبد الله نجيبخريج أصول الدين - جامعة الأزهر .. طالب ماجستير في الفلسفة الإسلامية - جامعة القاهرة