نحن نستحيي من أن نذكر اسم فلسطين على شفاهنا. نستحيي من أن نكون ضمن المناصرين للقضية، لأننا لا نعرف حقيقة عن فلسطين إلا الاسم الذي سلبه المعتدون منها. لم نقرأ بنهم عن فلسطين، لم ندرس في حصص التاريخ إلا حقائق زائفة، لم يصلنا إلا الفتات التاريخي المغلوط الذي أرادوه أن يصل إلينا فاستحوذ على جزء من أفكارنا كانت لتصل إليه أفكار أعظم. استضعفنا، فتناسينا هويتنا. لم نلتحم كجسد واحد، فتادعت فينا حمى اسرائيل ! نحن نستحيي من ثقافتنا الهزيلة عن القدس، و جدرانها، و أبوابها، و المعارك التي تشهدها صامدة في كل ثانية، و نتنصل نحن النظر من زاوية بعيدة إليها و كأننا غصن مكسور من غير تلك الشجرة. نحن نستحيي أن نذكر اسم فلسطين، نحن الذين لا تجمعنا بسمائها حمائم بيضاء من تلك التي تقف على القبة كعروس. نستحيي من صمتنا المطول في صف المتخاذلين، لأننا لا نعرف كيف ننطق بكلمة تشفي غليل من سيسمع. نستحيي من الأشخاص الذين يعيشون في أحيائها، لأننا لا نعرف كيف يستطيع الإنسان أن يعيش مثلما يعيشون، في ترقب و خوف، و يقين بالنصر رغم توالي الحصار و الهزائم. لا نعرف كيف يحمل الصبية الحجارة، و يتمرنون على رميها في الوقت الذي اعتدنا فيه أن نرى أطفالنا يتقنون حمل الهواتف و لعب الغميضة، كيف يشيع أهلها الجنائز و يحضرون فيها و في دواخلهم فرحة الانتصار و الشهادة. نحن الذين لا نذكر الموت إلا حين يباغتنا من وسط الأقارب. نحن نستحيي أن نتحدث عن القدس! تتحدث عنها فيرمقك البعض بنظرة غريبة، و يجيبك البعض بأن تبحث أن شيء آخر تناصره. تشعر باليتم، فتفهم أن المعركة عن القدس شبيهة بالمعركة عن الدين. أهلها غرباء. كما ينشر الواحد منا منشورا عن الإسلام داخل مجموعة فيهاجمونه في التعاليق أن هذا ليس المكان المناسب للنشر و من تم يمسحونه.
نحن نستحيي من فلسطين لأننا كلنا أصبحنا طغاة، نحارب بعضنا البعض دون الحاجة إلى صواريخ. نشبه الغاصبين لأننا نحارب الدين، نحارب العروبة، نحارب الثابثين على الحق.
نستحيي من فلسطين كما نستحيي من مخيمات اللاجئين، و كما نستحيي من دموع الأطفال المظلومين و الأمهات الثكالى، و العجائز اللاتي فقدن فلذات كبدهن ذات قصف، و من أشجار الزيتون التي خالطتها رائحة التطبيع، و أزهار الياسمين التي لم تعد تصلح وصفا لنياتنا الغير البريئة، و أشجار الليمون التي تتحدى العوائق كي تقف و لا تنحني و لا يتغير طعمها. نستحيي من شوارعها التي تنزف، من الأوشحة المتشابكة المربعات التي لبسناها في غير موضعها، عقدناها على نواصينا الخاطئة، بيضاء و سوداء تارة، كرقعة شطرنج عمتنا عنها دوافع خفية، بيضاء و حمراء، تارة أخرى كنفسنا المقتولة. نستحيي من خريطتها المحتلة، من أصوات الهدم، من الجدران المثقوبة بالرصاص، نعتذر من لون الأمل الصارخ في رايتها مذ أن فقدنا فيها الأمل. نستحيي من فلسطين كما نستحيي من خطواتنا التي لم تمش و لم تهرول و لم تجر في نصرتها، و من أيادينا التي شلت عن الكتابة عنها، و من أفئدتنا القاسية التي لم تتأثر بما شاهدته و سمعته عنها. نستحيي من أن نكون في قائمة المتخاذلين عن فلسطين كما يستحيي المذنبون من أن يكتبوا في غير لوائح المعتوقين من النار بعد رمضان. و كما يستحيي المرابطون فيها أن يفرحوا بالعيد و أرواحهم تنحب. نستحيي من قبلة المسلمين الأولى أن نستقبل بجباهنا الأرض و نحن على غير العهد بها، لا نناجي بها الله في صلاة و لا ندعو نصرة لأهاليها و لا نذكر أبناءنا بها، و لا نتأمل و لو كاذبين أن يخرج لنا من هذا الجيل من يدافع عنها. نستحيي من مسرى الحبيب صلى الله عليه وسلم كما نستحيي من هجرنا لسنته.
فعذرا، فلسطين.
نهيلة أفرج
-
Nouhaila Afrejأستاذة و كاتبة مغربية