الفاروقُ و عبقرية الحلول الاقتصادية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الفاروقُ و عبقرية الحلول الاقتصادية

  نشر في 20 مارس 2017 .

لقد حاز الفاروقُ عمر بن الخطاب الرتبة العالية، و المرتبة السامية، في الذكاء العبرقية، و إيجاد الحلول الفعلية، لمشكلات اقتصادية و غير الاقتصادية، فعاش بكل كيانه و جوارحه حياة الناس، يتعب ليرتاحوا، يجوع ليشبعوا، حتى غدى الفاروقُ غرةً في جبين الزمان، و فخرًا للمسلمين في كل مكان، و هذا لا يُقال من قبيل التعصب لرجل من أهل ديننا، و لكن يشهد بهذا الأباعدُ قبل الأقارب، و تاريخُه الناصع يحكي، و أيامُه السالفة تتكلم، و أياديه البيضاءُ تشهد،

و لعل توضيح بعض الأمور التي فعلها في فترة خلافتها في بعض النواحي الاقتصادية، تُظهر لك شيئًا من عبقريته، و توضح لك مدى رجاحة عقله،

و الذي سنعرضه من أمور تاريخية ليست بهدف سرد قصة تاريخية يطرب لها القارئُ، و يهز رأسَه المستمعُ، و يمصمص شفتاه المتعجب، بل الهدف من وراءها هو الوقوف على طريق تفكير رجل عبقري، و تعلم كيفية مواجهة الأزمات الاقتصادية، و تقديم حلولًا تنفع الناسَ كلَهم، و تقلل الخسائر قدر المستطاع

الموقف الأول:

عندما امتنع نصارى بني تغلبٍ من دفع الجزية، أنفعةً و استكبارًا أن ينزلوا منزلة الذلة، و أن يدفعوا الجزية عن يدٍ و هم صاغرون،

فأصبح أمرُهم مُشكل، لأن كل أهل الكتاب تحت حكم الدولة الإسلامية يدفعون الجزية، فإن لم يدفعْ هؤلاء سيكونون بداية لأن يمتناع كثيرون مثلهم من دفع الجزية،

الأمر الثاني أن بني تغلب بالفعل كانوا قبيلة كبيرة قوية، ذات شوكة، و شأن كبير، و مكانة عالية بين العرب، و لابد أن تُحفظ لهم مكانتهم، و تُحترم لهم منزلتهم، و إلا لربما انحاوزا إلى أي طائفة تحارب المسلمين فيقفوا في صفوفهم و يقاتلوا المسلمين معهم، فعُرض الأمرُ على الفاروق فقدم حلًا واحدًا، بدد كل هذه التخوفات، و فتت المشكلات، و هو أن يدفع بني تغلب مثل ما يدفع المسلمون، صدقة، و لكن مضاعفة، فوافقوا على حل الفاروق،

و بذلك يكون قد حفظ لهم كرامتهم و منزلتهم، ثانيًا يكون قد منع أن يظهر فريق يتمرد على الدولة البكر، و ثالثًا مورد يزيد الموارد المالية للدولة المسلمة

الموقف الثاني:

عندما رأي الفاروق أن بعض الدول المجاورة للدولة المسلمة تأخذ أعشار تجارية " الجمارك " من التجار المسلمين، ربما يُؤدي هذا إلى امتناع بعض تجار المسلمين من العمل بالتجارة مع الدول الخارجية، و هذا يضر الدولة من عدة جوانب فسيمنع من احضار منتجات الدول الخارجية " الواردات " إلى الدولة المسلمة، بذلك يُحرم المسلمون مما وصل إليه العالم الخارجي، و كذلك ربما يؤدي إلى زيادة العاطلين " البطالة " بسبب أمتناع بعض التجار عن العمل، و ثمة مشكلة أخرى و هي أن بعض الذين يعيشون في الدولة المسلمة من غير المسلمين، يستوردون من الخارج بعض الأمور المحرمة في شريعة الإسلام إلا أن الإسلام لا يمنع غير المسلمين من استعمالها كشرب الخمر و أكل لحم الخنزير، فكان الكثير من أهل الكتاب يستوردون الخمور و الخنازير من الخارج، و لا يجدون صعوبة في إدخالها إلى داخل الدولة المسلمة، فأحدث الفاروق فكرة الشرائح العشارية و هي أن يتفاوت في فرض الأعشار التجارية " الضرائب الجمركية " على التجار غير المسلمين فالمنتج الذي ينفع و يفيد الدولة و يرغب في كثرته في الدولة المسلمة يُقلل الاعشار عليه، و المنتج الذي يُرد أن يقل يزد الاعشار عليه، فكان يأخذ ربع العشر ( 2.5% ) ممن يأتي بالزيت مثلًا و كان يأخذ العشر 10% ممن يستورد الخمر مثلًا

و الدول المجاورة خشيت من زيادة الأعشار على التجار المسلمين حتى لا يُعامل تجارها بنفس الطريقة فحمى تجار المسلمين و ضبط الواردات بما ينفع الدولة،

و بذلك يستطيع أن يتحكم فيما يدخل إلى دولته، و أيضًا يزد من الموارد المالية لخزينة الدولة الإسلامية و يحمى تجاره في الدول الخارجية

الموقف الثالث:

عندما رأي الفاروقُ أن البلاد التي تُفتح على أيدي المسلمين، تُوزع على الفاتحين غنيمة، فرأي بثاقب رأيه، و بُعد نظره، أن هذا سيؤدي إلى حرمان الأجيال القادمة من فرص المشاركة في خيرات الفتح، لأن كل ما يحوزه المسلمون يُوزع على الفاتحين، فبعد مرور عدةُ أعوامٍ و عقودٍ و قرونٍ لن تملك الأجيالُ الجديدة مثل ما تملك الأجيال التي حضرت الفتوحات، و هذا فيه ظلم للأجيال القادمة

المشكلة الثانية أن الأراضي التي تُفتح و توزع على الغانمين، ففي الغالب أنّها لتتعطل لا يُستفاد منها تمام الاستفادة؛ لأن الفاتحين ليسوا من أهل الزرع و الفلاحة، فلن يعملوا فيها كما كان يعمل أهلُها، فباخراج أهلِها - أهل الفلاحة - منّها سيؤدي إلى تعطيلها، و لن يُستفاد منّها كامل الاستفادة،

فأمر الفاروق بوقف توزيع الأراضي المفتوحة على الفاتحين، و وقفها على جميع المسلمين، يعني ليست مالكًا لواحد من الناس بل لكل المسلمين، و أيضًا يعمل فيها أهلها مسلمون أو كفار و يُدفع لها خراج مقابل استعمالها،يدخل ما يُحصل منهم إلى خزينة الدولة المسلمة،

بذلك يستفيد الجميع و تنتهى المشكلة القائمة لأن الأرض سيعمل فيها أهلُها و لن تتوقف و تتعطل، و الأمر الثاني الخراج سيدخل في خزينة الدولة فيستفيد منّه الفاتحون و غيرُهم و الأجيال القادمة كذلك،

و بذلك يكون الفاروق قام بما نسميه اليوم التنمية المستدامة التي يستفيد منها جميع الأجيال الحاضرة و القادمة

قدر الله أن يتولى عمر الفاروق رضي الله عنه، أمر خلافة المسلمين في فترة حساسة جدًا، فأحسن أيما إحسان في ضبط أمور المسلمين، و كذلك في وضع الأركان الأساسية للدولة الولدية فقوية و انتشرت فرضي اللهُ عنّه و عن جميع الصحاب و الأل


  • 1

   نشر في 20 مارس 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا