سأل رجل حاتماً الطائي فقال: يا حاتمُ هل غلبك أحدٌ في الكرم؟ قال: نعم غلامٌ يتيمٌ من طيء نزلتُ بفنائه وكان له عشرةُ أرؤس من الغنم، فعمِد إلى رأسٍ منها فذبحه. وأصلحَ من لحمه، وقدّم إلي، وكان فيما قدم إلي الدماغ، فتناولتُ منه فاستطبتُه، فقلتُ: طيبٌ والله. فخرج من بين يدي، وجعل يذبح رأساً رأساً، ويقدم إلي الدماغ وأنا لا أعلم. فلما خرجتُ لأرحل نظرتُ حول بيته دماً عظيماً وإذا هو قد ذبح الغنم بأسره. فقلت له: لم فعلتَ ذلك؟ فقال: يا سبحان الله تستطيبُ شيئاً أملُكه فأبخلُ عليك به، إن ذلك لسُبّة على العرب قبيحة. قيل يا حاتم: فما الذي عوضته؟ قال: ثلاثمائة ناقة حمراء وخمسمائة رأس من الغنم، فقيل أنت إذاً أكرم منه فقال: بل هو أكرم، لأنه جاد بكل ما يملكه وإنما جدت بقليل من كثير.
كان حاتم من أجواد العرب ولم يدرك الإسلام وكان كرمه لأجل الذكر بين الناس كما قال هو في إحدى قصائده لما عاتبته إمرأته في إسرافه:
أماوِيَّ!إنَّ المالَ غاد ٍورائــــــــحٌ.. ويبقى مِنَ المال ِ الأحــــاديثُ والذّكر
أماوِيَّ!إني لا اقول لسائــــــــــل.. ٍ إذا جــــاء َ يوما، حلَّ في مالنا نزر
وأما المسلم الذي يؤمن لالله واليوم الآخر ، ويرجو رحمة الله ويخاف عذابه ، فإنه ينفق ابتغاء وجه الله وليس طلبا للذكر بين الناس ، ولذا فإن الله يقبل القليل والنزر اليسير إذا كان خالصا لوجهه ولا يقبل الكثير الذي أريد به غيره.
العبد يعظم أجره بقدر صدقه وإخلاصه، فكم من عمل قليل سبق به صاحبه كما في الحديث ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَالُوا: وَكَيْفَ؟ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا، وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إِلَى عُرْضِ مَالِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا. رواه النسائي وحسنه الألباني.
-
جهلان إسماعيلأبحث عن الحقيقة وأنشد الصواب في عالم اختلطت فيه أفكار البشر بهدايات السماء وظلمات الباطل بنور الحق.