يسّر و لا تعسّر في تواصلك مع الطرف الآخر - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

يسّر و لا تعسّر في تواصلك مع الطرف الآخر

  نشر في 06 ديسمبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .


التواصل الإيجابي سرّ التماسك و الترابط الإجتماعي


التواصل و الإتصال ضرورة كالهواء الذي نتنشّقه و الماء الذي نشربه فهو إحتياج أساسي لا غنى عنه فالإنسان خلق ليعيش و يتعايش مع الآخرين... لا يمكنه أن يعيش حياته منعزلا أو منفردا فالمولى عزّ و جلّ قال : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ (الحجرات الآية 13 ) ... لكن من وقت إلى آخر قد يحتاج إلى الإنفراد بالذات و ليس الإنعزال الكلّي و ذلك بهدف إعادة الحسابات و شحنًــــــا للطاقة و تعزيزاً للثقة بالنفس و طلبًـــــا للراحة و تصفيةً للذهن من مشاغل الحياة.

يحتاج الإنسان إلى المشاركة أي التفاعل مع طرف أو أطراف أخرى، هذه المشاركة تدفعه إلى بناء عملية تواصلية و التي لا تكون ناجحة إلا عند توفّر فيها عناصر أساسية و هي :

 الرسالة /المعلومة/البيانات المتبادلة.

 الشخص المرسل للمعلومة أو الرسالة.

 الشخص المستقبل للمعلومة أو الرسالة.

 قنواة الإتصال (مكتوبة، لفظية،...).

 الإستجابة /رد الفعل/التغذية الراجعة.

عناصر العملية التواصلية


إذن فالتواصل هو عبارة عن عملية إرسال المعلومات و استقبالها يتم من خلالها تبادل الآراء و الأفكار و المشاعر و المعلومات عبر وسائط متعددة سواءً كان ذلك التبادل بين الجماعات أو بــين الأفراد.

هناك ثلاث طرق معروفة و أساسية للتواصل و هي : الكتابة، التواصل اللفظي و التواصل غير اللفظي. حسب الدراسات يعتبر التواصل الغير لفظي الأكثر أهمية نظرا لأنّه يؤثر بشكل كبير على التواصل مع الآخرين. إذ تقول الدراسات أن 7٪من نسبة الرسالة التي نقولها تكون لفظيًا بينما 93٪ من الرسالة تكون غير لفظية و بالتالي لكي يتمكّن الإنسان من تحقيق عملية تواصلية ناجحة عليه دمج اللفظي و اللالفظي في تركيبة متجانسة متوازنة.

قناة التواصل التي نفتحها مع الطرف الآخر قد تتخذ عدة أشكال :

 جدال : الشخص المجادل هو عادة في رحلة البحث عن الذات و لا تهمّه الحقيقة بل تحقيق النصر، هو شخص يتميّز بالتعصّب و العناد و التمسّك بالرأي مع محاولة قمع الرأي المخالف و غالبا ما صوته يكون عاليا و يقاطع الطرف الآخر ينتهج نقد الشخص و شخصيّته و ليس الفعل.

 نقاش : يعرف أيضا بالجدال الحميد يمكن تلخيصه في قوله تعالى ﴿ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ فالشخص الذي يعتمد النقاش هو شخص باحث عن الحقيقة منصت و غير مستهين بالطرف الآخر، يستقصيه و يحاسبه.

 مناظرة : حديث بــــين طرفين أو أكثر لكل منهما وجهة نظر مختلفة حول موضوع معيّــن يسعى كل طرف إلى إعلاء موقفه بتقديم الحجج والأسانيد و الوسائل العلمية و المنطقية التي تؤيد رأيه في الموضوع المطروح للنقاش بهدف هدم و نقض الرأي المخالف.

 تفاوض : ملازم للحياة اليومية و هو نوع من التفاعل يتم بين طرفين على الأقل لمعالجة قضية متنازع عليها بهدف التوصّل إلى إتفاق يرضي الأطراف المتفاوضة مثال في حادثة صلح الحديبية الرسول محمد عليه الصلاة و السلام قدّم بعض التنازلات على إثر شروط عرضتها قريش لكي يتم الصلح فكان لهم ذلك لقائل أن يقول إن الرسول الكريم خسر لكن الحقيقة أنّه حقّق ما يريده رغم تلك التنازلات و في المقابل تمكّنت قريش من حفظ ماء وجهها بين القبائل الأخرى باعتبارها في ذلك الوقت تمثّل قوّة عظمى . فنستنتج إذن أن التفاوض فن له إستراتيجيات متنوّعة على المفاوض أن يتقنها حتى لا يتم استعمالها ضدّه و كما يقول جورج برنارد شو : «التفاوض هو فن تقسيم الكعكة بطريقة ينصرف بعدها كل من الحضور معتقدا أنه حصل على الجزء الأكبر».

 حوار : حديث بين طرفين أو أكثر يهدف إلى الوصول إلى الحقيقة و إلى تقريب وجهات النظر بالإعتماد على العقل و العلم في إطار يحفّز على التبادل و المشاركة بعيدا عن التعصّب و الإقصاء.

الأشكال الخمسة التي وقع ذكرها تشترك في أمرين، الأوّل أنّها تستدعي حديثا بين طرفين أو أكثر و الثاني أنّها تهدف لتحقيق مكسب أو إحراز النقاط على الطرف الآخر. لكن أفضل الأشكال ذاك الذي يحقّق تواصلا إيجابيّا يخرج منه كلا الطرفين رابحين أو على الأقل راضيــن عن النتيجة و هذا لا يتحقّق إلا بالحوار و بتفهّم و تقبّل الطرف المخالف و بالتفاوض الناجح و النقاش الموزون و بالإبتعاد عن داء الجدال إذ لا يوجد دواءً له غير مقاطعته و عدم الإنسياق وراءه.

إذا أخذنا المجتمع المدني العربي كنموذج و درسنا مستوى علاقته بمختلف الأطراف المتداخلة و خاصة الطرف الحكومي لوجدنا تذبذبا في العلاقات رغم الدور الهام الذي يقوم به في سبيل الدفع بعجلة التنمية و الأخذ بزمام المبادرة لحل بعض المشاكل المجتمعية التي تؤرّق الحكومات و تشتّت جهودها فرغم العراقيل و الصعوبات التي توضع في طريقه واصل العمل على أداء رسالته.

هذه العلاقة المتأرجحة غير الثابتة هي ناتجة بالأساس عن ضعف العملية التواصلية و عدم انتهاج الحوار كسياسة انفتاح و منطقة تبادل حر للأفكار و الآراء للخروج بنتائج و حلول مشتركة للقضايا المتنازع عليها في كنف الإحترام المتبادل فتونس اتّخدته كمنارة للإرتقاء بالوعي المواطني بضرورة المشاركة في الشأن العام و إدارة الشأن المحلّي و لعلّ أبرز مثال على التطبيق الفعلي للتشاركية برنامج الإستثمار البلدي التشاركي الذي يشارك فيه مختلف أطياف المجتمع : مواطنين و مجتمع مدني و المجلس البلدي من إختيار للمشاريع المزمع انجازها إلى متابعة مراحل الإنجاز و التنفيذ إلى المتابعة و التقييم. أيضا المبادرة التي قام بها مجلس نواب الشعب التونسي يوم 4 جويلية 2018 حيث أطلق منصة إلكترونية مخصّصة للتواصل مع المجتمع المدني فهي بمثابة آلية جديدة تدعم المشاركة في أعمال البرلمان و متابعة أنشطته و تبادل المعلومات حول أنشطة الطرفين و التفاعل حولها و تشمل المنصة أيضا فضاءً مخصّصا لتقبّل اقتراحات و توصيات المجتمع المدني حول المشاريع المعروضة على المجلس و أيضا فضاءً مخصّصا لتلقّي مقترحات قوانين من المجتمع المدني ممّا يجعله قوّة إقتراح فاعلة كما يوجد فضاء آخر مخصّص للأسئلة الموجهة للحكومة التي يمكن أن يتبنّاها النواب و يوجّهونها للحكومة عند مساءلتها ممّا يطوّر العمل الرقابي لمجلس النواب على السلطة التنفيذية من خلال مساهمة المجتمع المدني.

و يوجد الكثير من الأمثلة التعاونية بين المجتمع المدني و القطاع العام و القطاع الخاص و ما تمّ ذكره ماهي إلاّ أمثلة بسيطة عن التعاون المثمر بين القطاعات الذي كان وليد الإنتقال الديمقراطي الذي تعيشه تونس و نتيجة منطقية لوعي شعب كافح من أجل الدفاع عن حقوقه و ممارسة ما اكتسبه في إطار يحكمه و يضبطه القانون...

بالحوار البنّاء تنهض الأمم و يتحقّق الأمن و السلم الإجتماعي و تتعزّز العلاقات و تتوطّد.

                                                              *********

خلاصة القول، السرّ يكْمن في تقديم بعض التنازلات لتحقيق فائدة أو مكسب أكبر بكثير ، و يكْمن أيضا في التركيز و الإنطلاق من المشترك و ترك ما دونه فلو كان هناك حوار حقيقي لما وُجدت الحروب و الفتن و لتمّ حقن الدماء فكم من أطراف متنازعة جلست على طاولة الحوار فتمّ الصلح، لما اضطرّت الشعوب للقيام بثورات على حكّامها إذا أصغى الحاكم لمطالب شعبه و سعى لتنفيذها، لما تفكّكت العلاقات الأسرية و المجتمعية إذا فتحوا نافذة الحوار و أحكموا عقولهم و ذكائهم العاطفي، لما ارتُكبت جرائم بسبب سوء الفهم إذا أصغوا لبعضهم، لما انتشرت الأمراض النفسية كالإكتئاب إذا وجدوا من يتشاركون معهم أفراحهم و أتراحهم، ببساطة: لما كان الحال بهذا الحال. فيسّروا و لا تعسّروا في تواصلكم مع الطرف الآخر .




  • 5

   نشر في 06 ديسمبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

Abdelhalim منذ 5 سنة
تلك المقالات التي تتميز ببساطة التعبير وعمق المعنى، هي التي تستطيع ارواء غليل الحيارى في زمن التعقيدات التي نعشها. مقال جيد تحية لك .
1
نجاة علي الأخضر
أشكرك على هذا التعليق المميّز
Abdelhalim
العفو
Amor Abidi منذ 6 سنة
مقال جيد و مختصر
2

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا