لهذا كلّه أستحي من نفسي
اعترافات رجُلٍ مذنب
نشر في 19 أبريل 2018 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
أستحي من نفسي كلّما بثّت لي أمي بعض همومها ومعاناتها مع أبسط مستلزمات الحياة اليومية هناك: كالماء والكهرباء. بينما أقيم بعيداً عنها في بحبوحةٍ من الأمن والراحة.
أستحي بشدّة كلما سمعت عن تعب أمي في تنظيف البيت إثر العواصف الترابية، أو في بسط السجّاد ورفعه، أو مع المجاري إذا طافت في مطبخها. فيما لا تمثل هذه الأمور هنا شيئاً يذكر.
أخجل كثيراً حين تضطر أمي للبحث عمن يساعدها، أو لسؤال بعض الحرس المقيمين حولها عمّن يعينها في تنظيف الحديقة أو في نقل جرّة الغاز أو جرّة الماء إلى مكانها.
أشعر بالعار حين تضطر أمي إلى الذهاب وحيدةً إلى مختصّ العظام والمفاصل، فتعاني من المواصلات وزِحام الطرق والانتظار. ولا أكون معها فآنس معها وتأنس بقربي.
اقرأ في هذا الصدد: ما أبخل القلب البشري
أشعر بالحزن إذا خرجت بقصد الاستجمام إلى إحدى الحدائق، فأحدّث نفسي كيف تأنس بنزهةٍ وأمّك بعيدةٌ هناك حبيسة منزلها.
أشعر بألمٍ شديدٍ كلّما خرجت متبضعاً لأنتقي حاجاتي من عدة أسواق. فيما تذهب أمي برفقة والدي الأكثر تعباً منها، لتتبضّع حاجاتها كلّها في ساعةٍ واحدة عن أسبوع كامل من حانوتين أو ثلاثة من حيّ الكرّادة ببغداد. فتذهب مسرعةً وترجع مسرعة وقت الظهيرة، لكيلا تضطر إلى الانتظار أمام أحدها. لأنها لا تقوى على الوقوف مدّةً طويلة، فتضطرّ إلى الجلوس على طرف الرصيف.
أشعر بأسىً بالغٍ كلما أرهقنا وليدي نهاراً بطلباته وليلاً بصعوبة نومه، فأدرك حجم الجهد الذي بذلته أمي حين حمَلت بي، وأنجبتني وأرضعتني واعتنت بنظافتي صغيراً، وسهرت على تربيتي ورعايتي حتى كبرت. وهي ترجو أن أبقى إلى جوارها فتأنس بقربي. فإذا بها تنظر حولها وهي بأمسّ الحاجة، فلا تراني.
أشعر بوزرٍ شديدٍ وخزي في كلّ مرّة آذيتُ فيها أمي، طيلة حياتي بقصدٍ أو بغير قصد. وما أكثر المرّات التي آذيتها فيها، فندمت عنها متاخراً جداً، لكن هل ينفع الندم؟!
أخشى كثيراً أن يأتي اليوم الذي يهرب فيه وليدي بلسم مني، فأبحث عنه وقت ضعفي فلا أجده جنبي، لأن الأيام دولٌ. ولأن الحبّ الذي نبذله مردودٌ لا محالة، والجفاء الذي نظهره مردودٌ لا محاله. فإذا نبّهته إلى تقصيره خشيت أن يذكّرني بتقصيري مع أمي.
أشعر بالخيبة، وأنا أجلس هنا أكتب عنها، فيما تستعدّ هي إلى دخول غرفة العمليات غداً لحاجتها المستعجلة إلى جراحةٍ لعلاج اعوجاج في فقرات ظهرها.
أشعر بضعفٍ شديد، وحاجةٍ لا أقوى على مقاومتها إلى القرب منكِ أمي، فكيف السبيل؟
عسى الله أن يحفظك لي قرّة عيني.
اقرأ أيضاً: كُن بَلسماً
-
أقباس فخريلا أكتب للناس بل أكتب لذاتي. أحاول العثور على نفسي حين أكتب. لعلّي ألملم شتاتها المبعثرة فأجمعها، أو عساني أعيد تكويني.
التعليقات
هنا بالذات تجلت رجولتك و شهامتك و رفعتك كابن بار
شكرا جزيلا لصراحتك و لبرك..يا ليت كل الرجال لديهم اعترافات مثلك.. سيدي
أحاسيس متداخلة .. و مشاعر مبعثرة ..جمعتها ببراعة في مقالة تدمع لها العيون ..
و لكن صدقني انت لم تقصر في شيء .. صدقني انت لم تخطئ في شيء .. هم الذين اخطؤا...هم الذين ابعدونا عن اوطاننا .. و عن عائلاتنا ....طردونا من ديارنا و خربو منازلنا ..
.....**** نغادر اوطاننا و نحن مرغمين .. نغادر باجسادنا ..اما ارواحنا فتبقى هناك تائهة بين ازقتك بين شوارعك يا فلسطين ...
حفظهما الله لك و رعاهما ..
دمت مبدعا...
كأنك لمست ... وشخصت ...ووصفت ما نمر به ونحن في الغربة ..بعيدين عن اهلينا.
واختم تعليقي بما ختمت به يا مبدع ...
اسال الله أن يحفظهم لنا قرّة أعيننا...