الهروب الكبير - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الهروب الكبير

الهرب من كل شيء ، لمواجهة أكبر شيء.

  نشر في 28 غشت 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

الروائي البرازيلي - باولو كويلو
     نافذة:
(الإطار الفارغ الذي أوصلك لهدفك البعيد لم يكن ليوصلك لو لم يكن محشواً بالفراغ!). باولو كويلو.    



     قلت له ؛ سأكتب كتابي الأول بعد تخرجي من الثانوية ، ثم قلت له بعد أن أصبحت طالباً جامعياً ؛ لعلّي أخطأت واستعجلت ، فالوقت المناسب هو ما بعد التخرج.

     واليوم وقد أصبحت خرّيجاً ، سألت نفسي قبل أن يسألني هو ؛ متى سيكون الكتاب الأول؟ بعد الزواج ؟ أو بعد أن أرزق بالعيال وتكون زوجتي مشغوله بهم وأنا بالكتابة؟ لا أظن ذلك. فالعالم اليوم سريعٌ جداً وهذا يربكنا ويجعلنا نؤجل الأمور -ظناً أن التأجيل سيحقق لنا الوقت- ولكن في كل مرة ، نقع في الفخ نفسه ولا نتعلم.

     أستيقظ من النوم متأخراً كالعادة ومستعجلاً إلى العمل . أذهب للمغسلة وأطلب الكوي المستعجل وأنا أتمنى أن لا يخيّرني بـ (مرزام ولا بدون!) فالوقت سيضيق إذا تأخرت في اختيار القرار! وتعلمون كذلك أني سأطلب الفطور (سفري) لآكله في السيارة لأني مستعجل. ويستمر هذا السيناريو في حياتي. لا أعلم متى سأتفرغ لأكتب هذا المقال أو ذلك الكتاب ، فالكتابة المستعجلة -كما الآن- قد لا تكون صائبة.

     قرأت مقولة لـ جبران خليل جبران أذهلتني ووصفت شعوري الداخلي وما أتمناه :(يناسبني نمط الحياة الحرّ، أختفي وقتما أُريد وأظهر وقتما أريد، كأني شخص وجد بمفرده، أعيش حياتي وفقًا للحظات دون تكلف و دون ألتزام). هذا ما أريده ولكن هل يمكن أن نحصل على هذا النمط في القرن الواحد والعشرين ؟


     العمل أمر مستمر مع الإنسان ولا بد منه ، والقضية ليست مناداة إلى ترك العمل ، ولكن إلى أن نلتف قليلاً إلى أنفسنا. إلى الأمنيات المهملة والمؤجلة ، إلى تلك التفاصيل البسيطة وربما التافهة في أوقاتٍ أخرى. أريد أن أجلس مع صديق وأنا لا أفكر باللقاء الآخر أو ماذا سأكتب! نريد اللاشيء ، الفراغ الذي يجعلك تهمس إلى نفسك ويقول الآن سأعرفكِ أكثر.

     بدأنا نتحول إلى "برغماتيين" لا يفكرون إلا بالعمل وكم سيبقى من دخلهم. وإن ابتعد العمل عنّا قليلاً هاجمتنا الأشغال الأخرى التي لا تؤجل وإن تأجلت تراكمت لتوصلك إلى مرحلة إنهيار. حتى لو أنهينا كل هذا ، فهناك فخٌ آخر لا أحد يهرب منه أو نادر ما تجد من إمتلك زمام الأمور عليه. هي "الماجَرَيَات"  في مواقع التواصل الإجتماعي.

     تنهّد الصعداء .. آن الأوان للتصفح. تصفح (تويتر ومشاهدة سناب شات واليوتيوب وغيرها..). يريد أن يهرب من عالمه ، فإذا به أسيرٌ في عالم أشد بؤساً وربما يكون أشد مرحاً. ولكن كلها مؤقته. فيمضي الساعات الطوال عليها. لا استفاد ولا أفاد. ولا ارتاح ولا بثّ الارتياح. من ترند إلى ترند ومن خبر إلى خبر، حتى أن الـCNN لو علمت به لأرسلت له عرض وظيفي! فهو الرجل الخارق الذي يعرف كل شيء ، ويحلل أيّ شيء. 

     متى سنهرب إلى الخلاء ، إلى الصحراء أو إلى منتصف المحيطات ، حيث اللا أبراج تجعلنا نستخدم الجوال. هناك ستكون المواجهة ، وسيكون الهروب الكبير. لأنه الهرب إلى مواجهة الذات. الهرب من كل شيء ، لمواجهة أشدُّ شيء ، وهي ذاتك وأفكارك.

     هناك مرحلة عظيمة يفتقدها الكثير. وهي الفراغ الذي يدعوا إلى التأمل. ليس ذلك الفراغ الذي سيسألك الله عنه لأنك لم تعمل فيه شيء! بل تلك الجلسة الخالية من المشتتات. تلك اللحظة التي تسمو بها روحك وتحلّق بعيداً عن ماديّاتهم. حيث القراءة التأملية للحياة والكون.


الختام سؤال :

     هل سنحتاج اليوم -نحن معشر الكُتّاب- أن نهرب من حدودنا الإجتماعية ، وأن نسافر لكي نُكمِل مشاريع الكُتب المؤجلة كثيراً؟ أو أن نبقى ننتج ولكن بشكل بطيء ويصاحب هذا البُطء التأجيل المستمر؟


  • 12

  • محمد الشثري
    خرّيج إدارة .. وأرى التأمل أسلوب حياة .. والقراءة فرضُ عين! .. والكتابة سعي للبقاء .. وأحاول أن أعيش أكبر قدر ممكن من التجارب ..✨
   نشر في 28 غشت 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

مقال ماتع ومفيد .
المشاريع العظيمة تحتاج همة عالية ودوافع قوية "لولا المشقة ساد الناس كلهم "
0
Abdulaziz.q8 منذ 6 سنة
نعم الهروب وسيلة جيدة، و الأفضل أن لا تؤجل عمل اليوم للغد، ( فكرة جميلة. )
1
Abdou Abdelgawad منذ 6 سنة
اذا وجد الانسان نفسه دائم التأجيل لبعض الأشياء بحجة عدم الفراغ أو ليس لديه الوقت وحين يكون فى بعض ايام الاجازات أو فى حالة فراغ حقيقية ويفضل مثلا الراحة والنوم أو مشاهدة التليفزيون أو متابعة مواقع التواصل ويضيع كل الوقت فى أشياء غير تلك الهامة التى دائما مايؤجلها لعدم امتلاكه الوقت اذا حدث ذلك فيجب ان يراجع نفسه ويواجه ذاته فعلا فحتما لديه مشكلة فهو لايريد التغيير أو التقدم أو النجاح .. تحياتى لكلماتك وفكرتك الرائعة .
2
لمى منذ 6 سنة
أرى أن هذا المقال الرائع يستحق أن يكون من مختارات مقال كلاود!
2

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا