و القلبُ يا هندُ لا يمتلئ بالجديد فى ساعةٍ واحدة .. أجل أسلمت .. و لكني أُغالب نفسي على ما فيها من هوى السـنين الطويلة التي مضـت .. و ما بَقي في العُمر أكثر مما مضي .. فما زالت أطيافُ القديمِ تُطاردني في كل ركنٍ و طريق
قالها أبو سفيان بن حرب بعد اسلامه مخاطباً زوجتهُ هند بنت عُتبة .. و أرى أنها منارة و مرجع لكل مَن أدرك البداية على أول طريق الهداية .. و ما زالت أطياف القديم تُطارده للعودة إلى ما كان
و لو بدأنا بنهاية كلمات أبو سفيان .. سنجد أن أغلبنا له أطياف تُطارده في أكبر الأمور و أصغرها لكي تعيدهُ اليها و تستأنس به و تُرحب بعودته .. و ربما تسخر من حاله الآن و تُجمل لهُ القديمَ في قلبه .. و تُعظم من سعادة أيامه التى ذهبت و جمال لياليه التي مضت
فقد يشعر بها شاب فعل الكثير من الذنوب و المعاصي و عندما مَنّ الله عليه أن يعود لـ فطرته و يبدأ رحلته علي أول الطريق الصحيح .. تُطارده أطياف القديم و تأتيه في صورة شخص يُحلل له ما يدور حوله .. أنت الآن أصبحت مكروه بين أصدقائك و غير مرغوب في حضورك .. فـ أنت تزايد عليهم من باب الرياء و لن يقبل منك كل ما تفعل .. أستترك كل هذا من أجل هذا ؟ هل نسيت كل ما كان ؟ أين مَن كان و مَن كان و مَن كان ؟ .. لن تستطيع الثبات علي هذا .. ستعود لما كنت عليه من قبل
و قد تُطارد فتاة ظلت تُمازح الشباب و تفعل كل شيء من منطلق الحرية حتي اختنقت أنوثتها .. و عندما شعرت بضيق ما هي عليه الآن .. و حاولت العودة الي سيرتها الأولي من أنوثة و حياء .. جاءتها تلك الأطياف بأن لا أحد ينسي ما كنتِ عليه .. و أن نظرة المجتمع و أقاربك و أصدقائك لم تتغير فما زالت صورتك القديمة أمامهم .. و ما دامت النظرة واحدة فالعودة لا فائدة منها و لا محل لها من الإعراب
و قد تُطارد رب أسرة ظل محافظاً علي الرزق الحلال حتي جاءته لحظة ضعف أمام الظروف و متطلبات الحياة .. فاختلس أو سرق في عمله فتم فصله عن العمل .. ثم عاد الي رشده و ندم علي ما فعل .. و لكن كلما ذهب الي عمل جديد .. تطارده تلك الأطياف من نفسه و ممَن حوله .. و الأمثلة كثيرة
فلنعد الي بداية كلمات أبو سفيان .. القلبُ يا هندُ لا يمتلأ بالجديد في ساعة واحدة " يا الله ما أجمله من تعبير " .. القلب يتم تفريغه من القديم و ينتظر الجديد .. فالقلب لا يستطيع أن يبقي فارغاً .. لابد أن يمتلأ بشيء و لكن تدريجياً ليس في ساعة واحدة و لا بسرعة فائقة
فالقلبُ و الجديد .. كاناء عميق يمتلأ بالماء قطرة تلو الأخرى .. كل قطرة لها صوت هادئ يُطرب القلب سماعه .. و تتجمع قطرات الماء بعضها فوق بعض .. فـ اذا نظرت بداخله تري باطنهُ قد امتلأ شيئاً قليلا .. ثم يزيد الماء و يعلو في الاناء .. الي أن يصل الي منتهاه ثم يفيضُ منه الماء .. فيرسل الماء الي كل قلبٍ يعرفه لكي يذوق من لذة ما يشعر به الآن
و كلما امتلأ قلبك بالجديد شيئاً فـ شيئا .. تبتعد الأطياف شيئاً فـ شيئا .. لكنها سـ تحاول و تكرر المطاردة لكي تجذبك اليها .. و كما أن الأطياف لا تمل من المطاردة و لا تهدأ .. فـ الجديد على طريق الهداية لا ينتهي .. و قطرات الماء لا تنفذ و أول الغيث قطرة
و تذكر دائماً أنك لو انجذبت لتلك الأطياف و عُدت الى ما كان .. ستطاردك أضعاف تلك الأطياف و لكن في صور ذهنية جميلة و حسرة شديدة .. لما قد أنعم الله به عليك و انسلخت منهُ من أجل أطيافك القديمة
" اذا مَنَّ الإلهُ عليك فضلاً .. لـ نورِ الحقِ نحو الاستقامة .. فعاهد ربك أن تبقي دوماً .. فبئس الاثمُ من بعدِ الهداية "
-
ناشط بحركة 6 أمشيرإنسان أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ..... سأظل أكتب ما أومن به حتي أبني لهذا العالم مدينة من العدل جدرانها الحروف وأعمدتها الكلمات ..... يسكنها كل شبيه لها
التعليقات
جميل جدا اخي . ابدعت .. دام حرفك واصلك
تحياتي
شكرا لك ايها الكاتب,