عبق ليلة حالكة الظلام - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

عبق ليلة حالكة الظلام

  نشر في 16 أكتوبر 2018 .

بعد عام كامل من الصمت وفي ليلة حالك ظلامها وجدت من كانت تبحث عنه في بيت قديم تعم به رائحة الرطوبة، كما كان يحتوي البيت على نوافذ عملاقة ويستمد ضوئه من بقايا كرستالات قديمة ملقاة على الأرض، دخلت البيت ونظرت إليه من بعيد كانت سجائره ترافق طيفه كالعادة ثم وجدت غبار الطرقات عالقة بقميصه، ثم سمعت صوتا بداخله وهو صوت عواصف ما استطاع أحد إخمادها ربما انبعثت في قلبه بعد الألفية الثانية، ما عاشه بالفترة الماضية كان كفيلاً بأن يجعله في حالة إدمان لابتلاءات الصدف أو ربما ابتلاءات القدر، ورأت في حالته الذهنية متاهات عالقة بين الأنقاض، لله درها كم كان حدسها قوياً.

إلى الآن لم يلاحظ وجودها، فكانت متخفية بين تقلبات الأطياف، كان عبق الحكاية يشدها إلى أجمل أحاسيس يمكن أن تولد، يشدها إلى شغف ازداد كل يوم عشرة أضعاف، يشدها إلى بريق عينين عاهد الجميع على أن لا ينطفئ، يشدها إلى شجن قوي تمد جذوره في الأعماق، يشدها إلى حياة باتت في الأمس مستحيلة، ويشدها إلى غبار دخل ثنايا الروح ولم يعكر صفوه.

كان هناك بعض الكتب المهملة في هذا المكان، كتب تتحدث عن قصص الهيام الذي كان موجود لدى العرب، كقصة ليلى الأخيلية وتوبة وقصة المقداد ومياسة، وكان هناك لوحات مبهمة مرسومة بالفحم، كما كان هناك شيء على الحائط مكتوب بالفحم أيضاً، إنها بعض الكلمات وقد أزالت الغبار عنها لتتمكن من قراءتها جيداً، ثم قراتها (إنّي إِذا صَلَّيتُ وَجَّهتُ نَحوَها بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا… وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها كَعودِ الشَجى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا …أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمُها وَشابَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا).

أبكتها تلك الكلمات حتى وصلت دمعة إلى أطراف شعرها وبللته، في تلك اللحظة لاحظ هو وجودها، وذلك من خلال رائحة شعرها التي انبعث ووصلت إلى جميع زوايا البيت، استنشقها من أعماقه، وكان يستطيع أن يميز تلك الرائحة لو ضاعت بين جميع جميلات الأندلس، اقترب منها وقد غفا على كتفها لبعض الوقت، هنا عرفت أنها كانت جزءاً من هذيانه كما كان جزءاً من شرودها، كانت في قلبها لهفة تقارب شفا الموت.

ثم أخرج من جيبه قطعة حلوى وقال لها لا أعرف ماذا أهديك؟! فهنا الأماكن بعيدة مغلقة ولم أجد إلا هذه، ولكنها لم تقبلها، قالت له: شكراً ولكني لا أحب الحلوى، هي تحبها جداً ولكن لم تستطع أن تأكلها بسبب إنشغال معدتها بالشغف الذي تشعر به اتجاهه.


ثم بلمح البصر رحلت هي. وهو رحل أيضاً. وبقي البيت تنبعث منه رائحة السجائر ممتزجة برائحة شعرها، كما بقيت قطعة الحلوى مهملة، وبقيت الكتب داخله وحيدة مرمية يغطيها الغبار، كما غطى كلام قيس المكتوب على الحائط، فهكذا كان حبهم مكبوتا في ثنايا التاريخ والقدر والوطن ومطاف لا نهاية له.


  • 6

   نشر في 16 أكتوبر 2018 .

التعليقات

اصعب ما في الحب هو اخفاؤه او كبته والتظاهر بأننا لا نحتاجه او التعالي عنه او الهروب منه وهو شاغلنا ويحرقنا ويذيبنا فنذبل بالكبرياء والتعالي او التظاهر.
2
Mohamed منذ 4 سنة
تضمين حضرتك للأفكار وعرضها من خلال التشبيهات جميل
3
سهام السايح
شكرا كتير هاد من زوئك

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا