جَلستْ والخوف بِعيْنيها, تتأمّلُ حالي المقلوب.
قالت: "يا ولدي لا تكتئب. فالعَيْشُ عليكَ هو المكتوب ياااااا ولدي."
فأجَبْتُ أمي: "كُل لما أشوف عمري بيجري بِيّا بخاف. حتى في كلامي حتى في غُنايا بِتْبان آلامي.. بِتْبان بُكايا. حتى لما بفرح بخاف لتموت الفرحة, بخاف من الدنيا الجارحة."
قامت أمي من مكانها وطَبطَبَتْ على كتفي مع ابتسامة حنونة قائلة: "ضحك ولعب وجَد وحُب. حِبّ الدنيا, تلقى الدنيا فرحة كبيرة في حِلم كبير. ضحك شوية, ولعب شوية, وجَد شوية, وحُبّ كتييييييييير."
نظرْتُ لوجهها الملائكي وعَيْنَيْها اللّتين لم تعرفا الخُبث, ثمّ قُلت:
"إحساس صعب وقاسي لمّا الناس تشوفك فاشل. أبوك وأمك وإخواتك وصحابك شايفينك عاطل. (قوم يا ابني اسعى وحاول) والله غُلُبْت أحاول! ياما حاولت وقبل الجول ما ييجي يطلع فاول!"
احتضَنَتْني أمي بحبّ وقالت بصوتٍ حنون: "حبيب قلبي وروح قلبي حياة قلبي, يا أغلى الناس يا أحلى الناس يا كُل الناس. لسّة مشوار الحياة شايل لنا وقفات. معالم في طريق الحُب أحلا كتير... من اللي فات.. من اللي فات."
ضحكتُ بصوتٍ عالٍ حتى ظنّت أمي بأنّني ممسوس. لكنّي ربّتُّ على يدها قائلا:
"قلبي دق دق دق. قلت مين على البيبان دق. قاللي افتح ده الزمن.. قلتله يا قلبي لأ!!
جاي ليه يا زمن؟ وبعد إيه يا زمن؟!"
تراجعت أمي للوراء وبنبرة آمرة قالت: "اضحك للدنيا تضحكلك. اضحك واحنا حنضحك متلك."
فجأة هرولت إلى المطبخ وعادت بعد ثوانٍ وفي يدها ابريقٌ بلاستيكي. نظرتْ إليّ بعيْنيْن تتوعدان شرّا, ثمّ قلبَتْ الابريق وبدأت تطبّلُ عليه بيديها وهي تتمايلُ بأكتافها قائلة: "راح نرقصلك ونغنيلك ونزمرلك ونطبلك. كلمة منك, بَسمة منك, راح تسعدنا وتسعد قلبك. زعلان ليه يا نور العين, العمر ده كله يومين, اضحك غنّي يا ليل يا عين.. اضحك!"
بصراحة لكم أن تتخيّلوا منظر أمي, المرأة الوقورة صاحبة الصوت الخفيض وهي تتحول إلى فنانة شعبية, حتى تعذروني عندما أقول لكم أنّي غرقتُ في دموع الضحك. وفازت أمي.
-
نور جاسماسمي نور. عراقية الأصل, أردنية المنشأ, أمريكية الإقامة, وهذا ساعدني كثيرا في التعرف على الثقافات المختلفة وإقامة الصداقات من كل مكان في العالم. أحب الكتابة/ أحلام اليقظة/الرسم/ السفر/ التمثيل/ الغناء/ الأفلام/ التأمل/ وال ...
التعليقات
مقال خفيف وممتع. وفكرة مبتكرة لم أقرأها من قبل.
أبدعتِ وفي انتظار كتاباتك القادمة.