بيت فؤاد ١٦ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بيت فؤاد ١٦

كل ما كان .. وكل ما سيأتي .. وهم!

  نشر في 11 غشت 2018 .

الساعة الواحدة ظهراً، أنا والفوضى من حولي، وموسيقى "فؤاد" ما تزال تصدح في الأرجاء، جرس الباب يقرع، أصل إليه مكرهاً وأفتح الباب غير منتظر أي زائر. صديقي "هشام" الذي لم أره منذ أشهر، يضمني بقوة إلى صدره ثم يساعدني على الدخول مجدداً. نجلس على الأريكة نحدق بالفوضى بصمت .. اسأله إن كان يريد أن يشرب القهوة، لكنه يتابع تأمله بصمت ..

" كنت واثقاً بأنني سأجدك هنا، بهذه الحالة الكارثية .. لقد خابرني البارحة طارق وقال لي بأنك لم تخرج للعمل منذ ثلاثة أشهر، ولم يرك أحدهم في الجوار.".

لم يكن من اللبق أن أقول له بأنني أريد أن أكون وحيداً، أنني أعاني بصمت في عزلتي وأنني سعيد على هذا النحو، على الأقل سعيد بكآبتي دون أن أشرك فيها أحد ..

" سعاد انتحرت ولم يكن هناك ما تفعله من أجلها، لقد كانت تعاني بصمت ولم يكن أحد يتكهن بأنها ستنتحر، عليك أن تتجاوزها يا مروان وأن تمضي خطوة في حياتك ..".

لوهلة شعرت بأنني في حلم، وجدت نفسي أهب عليه كالمجنون وأنا أدق عنقه بيدي حتى كدت أفقده حياته، بينما كان هو يجلس ملازماً صمته وهدوءه .. 

"سعاد" لم تنتحر، "سعاد" ما تزال حية ترزق لكنها قررت أن تبتعد عني، عن هذا العالم المزيف، المؤذي .. قلت له والدموع تنسكب من عيوني سكباً، وقلبي ينبقض بشدة من الألم. وضع يده على كتفي وشد عليه .. 

" لم يكن عليك أن تتوقف عن العلاج يا مروان، لقد عدت تعيش الوهم، أرجوك .. أتوسل إليك عد إلينا مروان الصديق، مروان الشجاع، المؤمن، الصديق الذي لم يتوانى يوماً عن الوقوف مع أصدقائه ..". قال لي بنبرة تحمل كل الأسى الذي في قلبه. 

وضعت رأسي بين كفي، ثم رفعت رأسي عالياً ودعوت الله أن ينقذني مما أنا فيه، الرحمة يا إلهي .. الرحمة فلم أعد أستطيع أن أصبر أكثر .. 

" أعلم أن موت "فؤاد" أيقظ فيك ألمك. لكن صدقني يا مروان إنها سنة الحياة ولا أحد يستطيع أن يغيرها .. ".

لو أنني بقيت في ذلك اليوم معها عندما طلبت مني ذلك لما انتحرت، كنت غاضباً جداً منها بعد أن صارحتني بخيانتها؛ كانت تريد أن تطلب مغفرتي على ذنب أنا نفسي ارتكبته، اتصلت بي عشرات المرات، وأرسلت مئات الرسائل، حقدي اتجاهها كان يمنعني من أن أقرأ أياً من رسائلها؛ لماذا أنا ولماذا أنت يا "سعاد"؛ لماذا لم تكوني أقوى مني ومن حبنا وتغادريني، كان باستطاعتك أن تهربي معه، أن تقتليني أنا .. أن تعاقبيني على أنني اتخذت دور الجلاد ..

" عد إلينا يا مروان فنحن بحاجتك .. سعاد وفؤاد يمكثان في مكان ما بقربنا، ربما رحلا عن عالمنا هذا لكنهما سيبقيان دوماً حولنا ..". قال لي ثم هم واقفاً، ودعني وهو يمسح الدمعة التي سقطت من عينه. كنت أريد أن أطلب منه أن يبقى لأحدثه عنها، لأخبره كم كانت مثالية في الحب والتضحية والعطاء، وكم أنني استنزفتها ..

نعتها ذلك اليوم بالعاهرة، وقلت لها بكل شرور بأنه لهذا السبب حرمها الله من نعمة الإنجاب، لم أكن أدري أنني قتلتها بكلماتي تلك، لكن ليشهد الله علي بأنني كنت سأبقى معها حتى الأبد، وبأنني رغم كل محاولات إقناعها لي بأن أتزوج من أخرى وأنجب طفلاً لم تخطر حتى كخاطرة في بالي يوماً.

قتلتها بكلمتين، فانتحرت .. غادرت الحياة وعلى وجهها ملامح الخذلان، قتلتني قبل أن تقتل نفسها، اعتقدت أنني تجاوزتها .. لكنني اكتشفت بعد موت "فؤاد" أنني كنت أعبر النفق فقط، وأنني عدت إلى ظلام روحي. 

لكن كيف لامرأة "كسعاد" أن تقتل روحها، وهي التي تعلمت منها القوة والصبر، تلك التي كنت في سقوطي ترفعني، وفي انهياري تحملني على ظهرها، تلك التي علمتني كيف أتجاوز المحن، كيف أكون أنا الإنسان الناجح  .. "سعاد" لم تكن مجرد زوجة، كانت شريكة حياتي، كانت أفضل الأيام واسوأ الأيام، لكنها كانت أيامي ..

نظرت إلى صورة "فؤاد" التي كانت كأنها تحدق بي مع تلك الابتسامة، ضممت الصورة إلى صدري ورحت أبكي عليها. كانوا دوماً يلقبونني ب"أبو فؤاد" وكنت تشبه الولد الذي تمنيت أن أكون أباً له، وعندما رأيتك أحببتك بصدق، تبنيتك رغم أن فرق العمر لم يكن كبيراً بيننا، لكنني كنت أشعر بأنك الولد الذي لم يهبنيه الله، ورحلت .. تباً لحياتي، ولأيامي .. كأن العالم كله يعاقبني على تلك الكلمة التي خرجت مني بلحظة غضب، عودي يا "سعاد" .. عودي لأخبرك كم أنني أحبك، كم أنني بحاجة إليك، كم أنني آسف على كل موعد تخلفت عنه، عن كل وعد نكثته، عن كل ذكرى نسيتها، على كل كلمة جارحة على كل موقف خذلتك فيه، عودي إلي يا "سعاد" فبعدك الحياة لم تعد تعني لي شيء. 

- يتبع -



   نشر في 11 غشت 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا