رحلة في كتاب قضية ضد العطور

تأليف: كيت جرينفيل

عرض الدكتور إيان مسجريف

أستاذ الصيدلة قي جامعة اديلاد الأسترالية

ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

الطيب والعطور والشذى والأريج. تنقل هذه الكلمات مفهوم الروائح إلى شيء مثير للذكريات حيث يرتبط العطر بشكل حميم بمشاعرنا وأحاسيسنا

وبالنسبة لي ترتبط رائحة الكينا العميقة بفصل الصيف. تجلب مجرد نسمة خفيفة من عبقها الإحساس بالحرارة وطنين زيز الحصاد. وتشاركنا كيت جرينفيل بذكرى مماثلة لعطر والدتها في كتابها الأخير قضية ضد العطور

إذاً لماذا القضية ضد العطر؟

تقول جرينفيل” لا شك أن غريب الأطوار وحده هو من لا يستمتع بشذى الأزهار وغابات الصنوبر”

ولكن خذ من الجانب الآخر الأفراد الذين تسبب لهم العطور صداعاً مؤلماً وهجمات للربو وحساسية متنوعة. يعاني ثلث الأستراليين من ردة فعل عنيفة من استنشاق العطور يتعطل 8% منهم عن العمل جراء ذلك.

ل

تؤسس جرينفيل قضيتها بأن للعطر آثاراً مهمة على المجتمع الحديث عبر النادرة الشخصية والبحث المستفيض.

Carvacrol, the chemical behind oregano’s odour.Ian Musgrave, Author provided

وتأخذنا في طريقها عبر الأشياء العديدة التي تقع تحت مسمى”العطر” : كيف نتصوره ومن يضبط (أو يفشل في) مكوناته ومن يختبره لناحية الأمان وكيف نتشارك في الهواء سوياً أنصار وأعداء العطر على حد سواء

وربما يشعر القراء بالحيرة والذهول. لقد استخدمنا العطور على مدار آلاف السنين: كيف يمكن لشيء واسع الإنتشار أن يصبح مؤذياً ؟ ولماذا لم نلحظه قبل الآن؟ ولكن دعوني أذكركم بأننا استخدمنا الرصاص الأبيض السام كمادة من مواد التجميل لقرون عديدة قبل أن نكتشف مضاره

تشير جرينفيل إلى أن العديد من الزيوت الرئيسية الطبيعية التي تشكل أساس العطور ذات آثار سامة أو ضارة ولم تكتشف إلا قبل فترة بسيطة. وتعني الخصائص التي تجعل المواد الكيماوية في العطور تتبخر بسهولة وتستثير إحساسنا بالرائحة أن العديد منها متفاعلة إلى حد كبير وقادرة على تحفيز ردود أفعال مناعية

ومن بين الأمثلة كارفاكرول وهي المادة الكيميائية التي تمنح زيت الأوريجانو رائحته المميزة. وتستطيع التفاعل كيميائياً مع البروتينات لتحفيز استجابة مناعية. أما ب داماسينو الذي تشبه بنيته الكيميائية خطراً صناعياً فهو مركب طبيعي موجود في زيوت الورد الأساسية وورد بوربون كنتاكي (يعتبر آمناً بتراكيز العطر ولكنه قد يسبب ردود فعل تحسسية.) وقد يسبب سينيول 1,8 الذي يعتبر جزءاً من رائحة الكينا النفاذة ضرراً للكبد عند تناول كمية كافية منه

β-damascenone, found in roses. And Kentucky

تظهر جرينفيل أن المعاملات الحديثة وفرت العطور أكثر من أي وقت مضى. كانت العطور في الماضي مواداً ثمينة تستخدمها الطبقة المترفة في المناسبات ولكنها أصبحت اليوم في متناول الجميع ولم يقتصر استعمالها على الطيب ولكنها دخلت في ملطفات الجو ومواد التنظيف وسوائل غسيل الأطباق والعديد من المواد

وفر ظهور الروائح الاصطناعية ميزة التكلفة المنخفضة وانعدام الحاجة لاستخدام الحيوانات.(ولم نعد بحاجة لاستخلاص المسك من غدد سنور الزباد). ولكن هذا الاستخدام الشائع و التراكيز المرتفعة من العطور يعني تعرض عدد أكبر من الناس لها لفترات أطول أكثر من أي وقت مضى

ترسم جرينفيل هذا الإرتفاع بسلاسة وتلمح لقضايا الأمان والجودة والتنظيم. ويحفل الكتاب بالحقائق والمراجع ويعتبر ذرق القراءة بطلاوة لطيفة. ولكنني قد أتحيز له بسبب حبي للكيمياء

تم تبسيط الحقائق العلمية وتوفيرها للعموم بوضوح. وأحي على الأخص جرينفيل لبحثها وتوثيقها لمعايير استراليا الكيميائية الصناعية. كما أن قضية الضبط قضية شائكة حيث يخوض الكتاب في قضايا الإختبارات وضبط الجودة

لقد استفاضت المؤلفة في تفسير مناحي العطور والصداع والتحسس والقضايا التنفسية ولكنها لم تتعمق في اختلال الهرمونات أو الغدد الصماء

ويوجد دليل على أن التركيز المرتفع لبعض الزيوت العطرية التي تكون العطور (وبعض المواد غير العطرية) قد ينشط بعض مستقبلات الهرمونات. ولكن هذه المركبات أضعف بمئات آلاف المرات من هرموناتنا الطبيعية

تشير جرينفيل إلى دايثيل ستيلبوستيرول المستخدم في العلاج كمثال على كيفية تأثير معرقلات الغدد الصم على الصحة ولكنه أقوى بمئات آلاف المرات من مماثلات الهرمون المستخدمة في العطور ومواد التجميل. وقد يمنح ذلك القراء انطباعاً خاطئاً للخطر المرتبط بالعطور. ورأينا نقاشات مماثلة لاستخدام الفثالات في مواد التجميل

ومع ذلك كانت الشروح للمخاطر والضبط والعطر في بيئة العمل وافية وواضحة. لا شك أن قراءتك لهذا الكتاب ستغير نظرتك للعطور إلى الأبد. وإذا كنت تعاني من العطر بصمت ستعلم عندها أنك لست وحيداً في تلك المعاناة

المصدر:

THE CONVERSATION

Something smells off: Kate Grenville’s case against fragrance

February 15, 2017 2.10pm EST

Ian Musgrave