الآن أشرب قهوة حقيقية في فلورانس؛ مهد عصر النهضة الأوربية، والتي ساهمت في إخراج أوربا من عصر الظلمات والفقر والجهل إلى عصور الصناعة والحداثة.

     بهذه المناسبة، ألا أستحق أن أرسم المنظر الذي أمامي؟ والشعور الذي راودني عند استنشاقي لعبق القهوة الحقيقي ؟ أو أن أخرج القلم - لا لأرسم - بل لأكتب .؟

     أنني أستحق ذلك.. أستحق هذه اللحظة من الهدوء والسلام والتناغم الروحي. أستحق لأن الله وهبني هذه اللحظة. لاشيء يشغلني؛ مع أني لا أعرف أين سأبيت الليلة! إلا أني مطمئن. الحمد لله.

     هل كلهم أحفاد لروميو وجولييت ؟ مع أنهم لم يتزوجو، ولكن ما أراه أمامي جعلني أتساءل.! إنهم يفيضون بالحب لبعضهم. العجوز مع رجل أحلامها، والعائلة سوياً، ومن في منتصف العمر - بعد خوضهم لتجارب كثيرة- هاهم يؤمنون أن هذه العلاقة هي التي ستنسيهم ما قبلها. أما المراهقين وعلاقتهم ببعض..! فهم مراهقين. لا عليك. أكمل قهوتك اللذيذة ولا تعكّر مزاجك بالابتذال التي تشاهده باسم الحب.

     سئلت عندما صورت هذه الصورة ووضعت هذه الأبيات، وحولتها من القدس إلى في فلورانس ؛

ما هو وجه الشبه بين القدس وفلورانس ؟

     ربما يعتقد من يتابعني أني أعلم تفسير كل ما أفعله، ويظنون أن الإجابات ستكون كلحظة "أرخميدس" عندما صاح بـ"يوريكا .. يوريكا" وقد خرج عارياً من مغطسه بسبب لحظة الاكتشاف الذهبية. لن تكون إجاباتي كلحظة ارخميدس بالنسبة لكم، والأكيد لن أخرج عارياً.

العراقة.. والعمق في التاريخ.

هذا ما أظن أنه يجمعهم، لا أعني مانراه من المادة، بل بما تشعر به الروح تجاههم.

     حاولت أن أتلاعب وأكون ذكي في الإجابة، وبحثت:

هل فلورانس مسروقة كما القدس ؟

     طبعاً لم تكن كذلك.. منذو عرفها التاريخ وهي تنتصف العالم وتجمع الشرق والغرب في عقر دارها لتكون هي مركز للتجارة ، كما القدس فهي في منتصف التاريخ، جمعت الشرق الروحي والغرب المادي لتكون هي مركز العالم. 

     بالمناسبة، لماذا لا يتوقف بائع الورد عندي ليعرض ورده؟ لا ينظر إليّ كمشتري ؟ .. أتوقع لأني لا أملك صاحبة فلم يتوقف. لا ألومه فهو في إيطاليا.

مع العلم كنت سأشتري منه لو عرض علي، لأني أردت إسعادة وتحديداً بعد أن ألقى تحية الإسلام على الهنود الآخرين. والهنود بكثرة هنا.

     أما فلورانس، فهي لم تعد عاصمة إيطاليا كما القدس لم تعد عاصمة لفلسطين الأبيّة. سُلبت منهما المركزية. وإن سلبت مركزية الحاضر فالتاريخ محفور في قلوب الرجال وأبنائهم. وستبقى القدس عاصمة فلسطين حتى لو غيّر ذلك google map .!

     سأبحث الآن عن سكن، وهنا اختلاف بين فلورانس والقدس، ففلورانس لا تأبه بي، كنت مرمياً في الشارع، أو أسكن في أفخم القصور. بينما القدس؛ القدس كلها مسكن، ومساجدها مفتوحة لعابري السبيل أمثالي.

خارج النص؛ وربما من النص:

أَحَسبتَ أنَّ زيارةً سَتُزيحُ عن وجهِ المدينةِ، يا بُنَيَّ، حجابَ واقِعِها السميكَ ؟

لكي ترى فيها هَواكْ ؟

في فلورانس كلًّ فتى سواكْ .!

- تميم مرةً أخرى.