يقفُ جسم الإنسان طوْداً شامخاً في وسط الكائنات الحيّة هندسةً وتركيباً،وفي كلّ يوم يظهر للعلم والعلماء جديدٌ لا ينقطع في اكتشاف مخزونه وأسراره وتنظيم وترتيب عمله،ولعلّ الغريب بأنّ مصدر الطاقة الذي ابتُلي الإنسان بالبحث عنه منذ القدم موجود داخلَه إنْ لم يكُن هو ذاته طاقة لتحريك كلّ ما تراه عينُه أو تلمسه حواسّه،فالإنسانُ هو القائد والهادي للعجماوات من المخلوقات،وهو الرّافع للأثقال من مكان إلى مكان،وهو الحافر بجهده وتعبه في الأرض باحثاً عن ماء يشربه،وهو القابض بيديه على الزّرع ليحصده والثمار ليقتطفها والقلم ليكتب به ..
غيرَ أنّ هذه الطاقة المعنوية في فهمها والحسّية في نتائجها لا تحلو للعلماء الذين لا يؤمنون في معاملهم ودراساتهم الفيزيائية سوى بأمور علمية يستخدمون فيها معادلات رياضيّة ويشاهدون أثناء تجربتها أثراً فعّالاً يشبه ما تحدثه الكهرباء في المولّدات وما يفعله الوقود في المحرّكات،ورغمَ إثبات الكيميائيين لحقيقة لا مناص منها بأنّ أحماض المعدة الإنسانية وأنزيماتها قادرة على تفتيت أقسى وأصلب المواد بفترات متفاوتة ومهنيّة عالية وعجيبة إلا أنّ هذه الطاقة المَعِديّة الإلهية بقيت داخل الأجسام وهي حيّة دونَ أن أسمع ـ أنا على الأقل ـ باستخدامها أو ما يماثلها في شئون أخرى وميدان مختلف ..
ولي أن أسمَحَ لنفسي بخيالٍ جديد ـ بالنسبة لي ـ عندما عطَسْتُ وحمدتُ الله على ذلك ورُحْتُ أفكّر في هذا الارتجاج الذي يصيبُ الإنسان حينها وما يصاحبه من قوّة يتساوى فيها ضعيفُ البنية وقويّها في تلك الثانية أو الجزء منها،لأتذكَرَ رسالة بريد إلكترونية وصلتني من أحدهم تتحدّث عن عطسة الإنسان وأنّ سرعتها تتجاوز عشرات الكيلو مترات في الساعة،ويسوقني فضولي للبحث هنا وهناك وأطّلع على تقديرات متفاوتة لهذه السّرعة القويّة والعالية في عطسة بني آدم أوصلها بعضهم إلى 300كم في الساعة مبالغةً أو حقيقةً ..
هذا الخيال أقحمني في أجواء الطّرد المركزي الذي يُستخدم في تخصيب “اليورانيوم” لإعداد طاقة نووية سلمية أو تخريبيّة وما يقتضيه ذلك من طاقة أخرى سابقة تُعين على استخراج مكنون هذا المعدن المهم،وقلتُ لنفسي كيفَ لم يخطُر ببال الإيرانيين ولا الكوريّين الشماليّين أنّهم إذا استثمروا العطْسات المجانية من شعوبهم ومواطنيهم في توفير وتخزين طاقة مهمّتها الأولى هي طرْدُ ملايين الجراثيم والبكتريا من جسم الإنسان وهي بالتالي ـ بعد إجراء تعديلات وتحسينات عليها وتجهيزها لتتعامل مع اختراعات الإنسان اللامتناهية ـ ستكونُ لهم بمثابة الخروج من أي حظْر لاستيراد أدوات وموادّ من دول تُعاديهم وتخشى نواياهم ..
ويُمكن لتلك العطسة الصادرة من الشرق أو الجنوب أن تُعكّر مزاج وكالة الطّاقة الذرية والنووية كلّما اشتدّ الأمر في بلاد الفرس المشهورين بطول الأنوف واتساع فتحاتها وبلاد “الكونج فو” الشهيرين بانبطاح الأنوف وضيق مخارجها لكنّ العطسة لا تتأثر بضيق المدخل أو اتساع المخرج فهي طاقة إنسانية طبيعيّة يملكها طفل عمره يوم واحد ومعمّرٌ بلَغ من الكِبَر عِتِيّاً،ولِجان التفتيش التي يرسلها المجتمع الدولي للبحث عن أسلحة دمار شامل أو معامل نووية في المنطقة لا أظنها قادرة على الكشف بصورة دورية على أنوف ملايين الكوريّين والإيرانيّين ..
وإذا استمرّ مسلسل الأحداث على هذا النّسق فإن خشية الإنسان من عطسة من جاورَه أو كان بقربه ستزول تدريجيّاً لأنّ الطاقة ليست مجاناً ومن يُطلقها في الهواء فهو كمن يملك أسراباً من الطيور النّادرة السّلالات ويطلقها في الأجواء دون مقابل،وسيكون للعطسة قيمة عندَ كلّ الأطباء والمعالجين لأمراض البرد والجيوب الأنفيّة،ليختلف أخذ الطّاقة المبتكرة هذه من عطسة إنسانٍ في الأحوال العادية وعطسة آخر نتيجة مرض ألمّ به،لكنّ المؤدّى واحدٌ في الأخير،فالعطسة الصحيحة لها من القيمة والاعتبار والتصنيف أعلى مما هو للعطسة المريضة المتكرّرة ..
وربّما يأتي من العلماء من يبحث في عطسات الحيوانات كذلك لتكون تلك طاقة أخفّ من الطاقة المستخرجة من عطسة الإنسان ويستخدمها النّاس في عام 2100م لشحن أجهزة الحاسب الآلي المزروعة داخل عيونهم دون خشية من صعْقٍ كهربائي أو آخرَ ارتجاجيّ،ولن تقِف التواصلات المتتابعة عند هذا الحد فإجراءُ أبحاث ودراسات حول إنشاء بنوك للعطْسات كما هو للدولارات والدّماء أمر وارد وحيويّ في إنقاذ شعوب أصابها شحّ كبير جرّاء سرقة دول مجاورة لأشهر العاطسين والعاطسين فيهم وبيعهم في بورصة موزنبيق ..
وطالما أنّ للعطسة الإنسانية هذه القدرة الهائلة على الانطلاق بسرعة تعجز عنها سيّاراتنا العاديّة في شوارعنا الفسيحة والخالية،فلن يكون مستهجناً ولا غريباً أن يطلب الزميل من زميلة عطسة من باب الكرم والبذل لإنقاذ سيارته المتعطّلة على جانب الطريق،ولن يكون عجيباً أن يخرج لك أحدهم رأسه من نافذة سيارته ويعطس عطسة توصلك إلى عملك في لمح البصر،وسيجنحُ العدائيون والأشرار لاستخدام الطاقة في العطسات للتخلص من أعدائهم ومحاربيهم دونما أيّة مساءلة قانونيّة ما لم يتنبّه أهل القانون ويفردون باباً في دستورهم يتعلّق بـ “العُطاس الوطني” ..
وسيندَمُ أشدّ ندمٍ وأقساه من عطَسَ في بيته فجأة دون سابق إنذار لأنّه ضيّع على نفسه مردوداً مالياً باهظاً بهذا الإسراف في العطسات غير المحسوبة،وسيندَمُ كذلك المتأدّبون الذين يكتمون عطساتهم خوفاً من إيذاء الآخرين أو الإحراج لأنهم اختاروا أدباً ـ لا يُسمنُ ولا يغني من طمع ـ على عوائدَ ماليّة قد تُغريهم لتأجير أنوفهم لشركات تستثمرها على المدى الطويل أو بيعها دون تفكير ..
أمّا طاقة التفكير والعقل الإنساني فهي الأصل الباقي وسَطَ هذا الازدحام من الطاقات الأصلية والبديلة وصديقة البيئة وعدوّة الإنسان وغيرها ومع ذلك يقبَع الكثير منّا في جحور وكهوف دونَ أن يحاول استخدامها واستثمارها لنفسه قبل غيره معتمداً على أنّ كثيراً من النّاس فكّروا وتعلّموا ولم يتسفيدوا شيئاً ملموساً،ولم يدرِ هذا المغيّب والغائب بأنّ الفائدة في استخدام طاقة التفكير والعقول هي أساس نجاحات الأمم واختراعات العلماء وانفجار الكون تطوّراً ورقيّاً ووصول الكهرباء والماء والهواء والراحة والبناء والمواصلات إليه، فيا ليتَ هذا المتقاعس من بني جلدتنا وأمّتنا وعالمنا العربي والإسلامي أن يرزَقه الله بعطسة تطرُدُ من مخه هذا الجمود والخمول ..
-
Mohammad ahmad babaأكتب ما أعرف ..