قصة الفلاح مع الترانزستور -الراديو بالدارجة المغربية- هي من القصص الجميلة و البليغة و الواقعية التي تمتعني أمي يسردها.

هاته القصة وقعت في المدشر الذي نشأ فيه والدي خلال أواسط القرن المنصرم.

خرج علال كعادته كل صباح ليباشر أعماله اليومية و بعد أن أنهى الجزء الأول من الأعمال التي تتنوع من تفقد للمزروعات، و إزالة للطفيليات و ما إلى ذلك، أخرج من جيبه صديقه الوفي الذي لا يبخل عليه في وحدته بما يمتعه من موسيقى محببة إليه و أخبار وطنية و عالمية، و مع اقتراب ساعة نشرة الأخبار، عدل علال من وضعه كاستعداد للتركيز مع ما يحدث في العالم و رفع صوت المذياع الذي علا بصوت المذيع : "مستمعينا و مستمعاتنا الكرام مرحبا بكم في النشرة المفصلة لهاته الصبيحة : في سابقة من نوعها ارتفع عدد جزيئات الأوكسجين المنتجة في الكرة الأرضية،.... كما أن المخترع الفذ مهند أخيرا تمكن من إتمام آخر تجاربه على اختراعه الذي من شأنه أن يساهم في حل المشكل العويص.....، في الشأن الرياضي المحلي فاز فريق السلام بالكأس المحلية لكرة القدم المنجمة من طرف الهيئة السامية للرياضة...." و ما إلى ذلك من الأخبار، و مع كل خبر كان علال يبتسم و تتسع ابتسامته مع جمالية الحدث و يومؤ برأسه إيجابا ليبارك للمذيع الخبر.

و هكذا استمر الوضع إلى أن انتهت نشرة الأخبار، و قفل بعدها الترانزشتور و وضعه بعناية في قب جلبابه.

عندما عاد للبيت و دخل الحظيرة لتفقد بقرته المريضة وجدها قد نفقت، فما كان منه إلا أن أخرج صديقه الحميم و خاطبه بغضب : "ما فائدتك يا صديقي؟ تجلب لي الأخبار من جميع أنحاء العالم و بقرتي المريضة ماتت و لم تخبرني بها؟" ، و لم يرتح علال حتى ألقى بالترانزستور أرضا و كسره و بدأ يضربه بهستيرية و جنون.

ما حدث لعلال قد يحدث لكل شخص منا، فعندما نعلق آمالا كبيرة على شخص ما أو مؤسسة ما دون أن ندري نوعية الخدمات و الصلاحيات المخولة لها قد نصاب بما أصاب علال، و عوض البحث عن الأسباب الحقيقية نرمي اللوم على الترانزستور.

من ناحية أخرى نجد في الحياة أشخاص ناجحين جدا في حياتهم المهنية و حل مشاكل الآخرين و إعطاء النصائح و الوعظ، بينما هو عاجز عن حل مشاكله الشخصية و يغرق في شبر من الماء.

و أخيرا محتوى النشرة الإخبارية الحقيقي أحفظه عن ظهر قلب لتكرار رواية الوالدة لهاته القصة، لكنني تعمدت تغييرها بنوعية نشرات الأخبار التي أحب أن أسمعها يوما ما في قنواتنا.