أحدهم قام بخداعي على الفيسبوك ... لقد أخبرنا أنّ من يكتب إسمه في عشر كومنتات متتالية دون أن يقاطعه أحد , سيرسل له كرت شحن فئة الخمسين جنيه !
قرأت هذا البوست , فوجدت في نفسي المؤهلات التي أحتاجها للفوز في هذه المسابقة, فعملي كمطور ويب يستلزم مني الجلوس ساعات طويلة أمام الشاشة وبالتأكيد فقد زاد ذلك من سرعتي في الكتابة , حمدت الله على تخرجي من كلية الحاسبات والمعلومات بهذه الميزة التي ستسمح لي أخيراً بالظّفر بمبلغ مالي محترم , حتى و إن تمّ تقييده في صورة كرت شحن .
دون تضييع ثانية واحدة , قمت بكتابة كومنت ب"وائل منصور" , فعلت ذلك أكثر من مرة بطريقة متتالية كما طُلب مني , وما إن وصلت للكومنت السادس تقريباً حتى قام أحدهم بمقاطعتي ... استشطت غضباً منه , يبدو أن المنافسة ستكون شديدة , راقبت ذلك الوغد الذي قام بمقاطعتي قليلاً ...تباً , يبدو أن معدل كتابته هو الآخر سريع , تساءلت إن كان قد تخرّج من كلية الحاسبات والمعلومات أيضاً , أم أنه هندسة قسم حاسبات ؟ وما إن وصل للكومنت الثامن تقريباً حتى قمت بمقاطعته ! لقد كتبت "ههه" , وكأنني أخبره بأنني موجود , و أنا أيضاً قادرٌ على ردّ الصاع صاعين .
حاولت بعدها مراراً وتكراراً أن أكتب العشر كومنتات دون أن يقاطعني أحد , ولكني كنت أفشل في كل مرة ... لا أزال أتذكرهم جيداً , أولئك الناس الذين كانوا يقاطعوني , لا يمكنني أن ألومهم , فلديهم الرغبة في الإنتصار مثلي تماماً !
فكرت عندها في حيلة تُمكنني من الفوز , عصرت دماغي حتى أوحى لي عقلي الباطن بفكرة في غاية الدهاء ! سوف أٌقوم بنسخ كلمة "وائل منصور" ولصقها في الكومنتات بسرعة وبذلك قد أختصر الوقت إلى الربع أو ربما العُشر , نظرت إلى الشاشة وقد ازداد تركيزي و ضاقت عيناي , وبدأت بتنفيذ الخطة بحذافيرها , بسرعة ودقّة متناهية , الكومنت الأوّل , فالثاني , فالثالث , فالرابع , فالخامس , يبدو أن الأمر سينجح , السادس , فالسابع , فالثامن , خطر عندها في بالي خاطرة , بعض الأشخاص يكسبون لأنهم يسلكون طرقاً مختصرة , والبعض الآخر قد يحاول جاهداً , و لكن دون فائدة .
مرّ كل هذا في أجزاءٍ من الثانية , وجدت نفسي في الكومنت التاسع , ابتسمت بدهاء , بقي كومنت واحد فقط , دون تفكير قمت بلصقة مباشرةً بعد أشقّائه التسعة ... تنفّست عميقاً , ثم تنهدّت , يبدو أنني نجحت , لقد قمت بكتابة العشر كومنتات متتالية دون أن يقاطعني أحد , شعرت عندها بالرضا والسعادة , على الرغم من أنني لم أكن أعلم مع من سأتحدث بعدها بهذا الرصيد .
إنتظرت قليلاً حتى أتسلّم الجائزة , و لكن طالت مدة الإنتظار من ربع إلى نصف إلى قُرابة الساعتين , ما الذي سأفعلة الآن ؟ أريد رصيدي ! قررت أن أتحدث معه على الخاص لعله لم يعلم بعد أنني الفائز من كثرة الكومنتات , قمت بمراسلته , لقد كان اسمه "فلان ميدو" - منعاً للتشهير طبعاً , كتبت له : " أستاذ ميدو , تحية طيبة وبعد , أما في ما يخص نتيجة المسابقة التي نشرتها على الجروب إكس وكانت جائزتها كرت شحن فئة الخمسين جنيه , فاعتقد أنني الفائز فيها , لقد قمت بالفعل بمراجعة الكومنتات السابقة , أنا أول شخص ينهي هذه المهمة , لذلك أرجو من حضرتكم إرسال صورة من كرت الشحن أو صورة من فاتورته أيهما تحب" , ذكرت له أيضاً رقم هاتفي المحمول في حالة إن كان الشحن طائراً , أرسلت له كل هذا ولكنه لم يرد ؟
اليوم التالي , فتحت المحادثة بيننا فوجدت علامة السين , ولم يكن قد قام بالرد بعد , يا للوقاحة ! قلتها في نفسي , ثم كتبت له رسالة أخرى في الحال " أستاذ ميدو , دعني أذكرّك أنك قد حلفت يميناً أنك سترسل كرت الشحن للشخص الذي يستطيع أن يكتب اسمه في عشر كومنتات متتالية دون أن يقاطعه أحد , دعني أكون صريحاً معك أيضاً , أنا لا أملك أدنى فكرة عن فائدة هذه المسابقة , ولا أعلم في ما كنت تفكّر عندما أطلقت هذا التحدي , أعلم أنه شيءٌ غريبٌ بالمرّة , ما الذي يمكن أن يعود عليك بالنفع إن كتبتُ إسمي في عشر كومنتات متتالية دون أن يقاطعني أحد ؟ ولكن ما أعلمه جيداّ أن الرجل يربط من لسانه , وأنك قد أقسمت على ذلك أيضاً , لذلك فمن فضلك أرسل لي كرت الشحن خاصتي" .
تأخّر هذه المرة في مشاهدة رسالتي حتى , تابعت الأمر قرابة اليومين حتى أصابني الأرق , لقد كان الموضوع يشغلني , كنت أفكّر .... لماذا قد يقوم الآخرون بخداعنا ؟ هل يرون فينا فريسة سهلة ؟ لماذا يطلقون الوعود دون أن يأبهوا بتمسُّك أحدنا بتلك الوعود لتكون منارة أملٍ له ؟ أخبرني أحدهم أنه لن يتركني , لكنّه ترك , أخبرني مديري بزيادة مرتبي في العام القادم , لكنّه لم يزد , و ها هو أستاذ ميدو يخبرني أنني إن كتبت إسمي في عشر كومنتات متتالية دون أن يقاطعني أحد سأحصل على كرت شحن , ولكنني لم أحصل !
لقد سئمت هذا , فكّرت أيضاً بأنّ عليّ أن ألوم نفسي لأنني أُصدّق , عليّ أن ألومها لأنني أأمن غدرهم ... عليّ أن ألوم نفسي لأنني ساذج , أترك الآخرين يقومون بخداعي , ومن ثَمّ أندب حظّي على وثوقي بهم , أتركهم يتحكمون بي , وما إن أُفكّر في إمساك زمام الأمور , حتى أعلم عندها أن الأوان قد فات .
بعد مرور حوالي خمس أيام على رسالتي , جاءني الرد ... وقد كان صادماً , أقلّه من شخص مخادع مثل هذا , لقد كان الرد بسيطاً , لكنه يحمل في طيّاته الكثير من المعاني , كان ردّه على رسالتي .... "إنتا عبيط ؟!" .
-
wael mansorرغم كل هذا ... لا يزال القاع مضيئاَ