نشر في 10 ماي 2016 .
خلفيات التعاطي الخارجي مع قضية جنوب اليمن
بقلم/ رائد الجحافي
عقب اجتياح الجنوب اليمني في العام 1994م من قبل صنعاء التي أتحد خلالها كل من التيار القبلي (مشائخ القبائل وعامة الناس من رجال القبائل) والتيار الديني (السلفيين والجهاديين العائدين من افغانستان او ما يطلق عليهم الافغان العرب) والتيار السياسي (الأحزاب اليمنية المتواجدة في صنعاء) بالاضافة الى المؤسستين العسكرية والأمنية كما تم تسخيرامكانات الدولة اليمنية من أموال وعلاقات داخلية ودبلوماسية خارجية جرى اللجوء اليها من باب المصالح المشتركة مع بعض الأنظمة العربية والأجنبية وغيرها من الأوراق الأخرى التي اسهمت وأدت الى اسقاط عدن بايديهم ليصبح الجنوب المترامي الأطراف بمساحته الشاسعة وامكاناته وثرواته في ايدي ذلك التحالف اليمني.
وكان الجنوب الذي سقط في ايدي صنعاء يقوم على اركان دولة متهاوية بسبب تفكك منضومة النخبة الجنوبية الحاكمة التي كانت تجمعها مضلة (الحزب الاشتراكي اليمني)، تلك النخبة بمجرد دخول قوات صنعاء الى عدن لاذت بالفرار تاركة خلفها شعب الجنوب أمام مواجهة قاسية رضخ للأمر الواقع متقبلاً الهزيمة ومتحملاً تبعاتها لتلقي عليه ثقلها بالحرمان من ابسط حقوق الحياة بل وجرى سلبه كل ما لديه من امكانات بسيطة تسد رمق الحياة.
ورغم محاولات ضئيلة من بعض النخب الجنوبية التي اتخذت من الخارج اماكن اقامة لها في اعادة تحشيد الشارع الجنوبي من خلال الاعلان عن المعارضة التي حاولت ان تكون الصوت المعبر عن الشعب الجنوبي، الا انها سرعان ما تلاشت باعتبارها قامت على ضوء مصالح دول الجوار التي اتخذت منها مجرد ورقة ضغط الى حين تحقيق مصالحها وتسوية امورها مع صنعاء، وبتلميح فقط تم في غضون ساعات جرى ابلاغ كافة الجنوبيين المتواجدين في الخارج بقطع اي دعم مالي عنهم كانوا يحصلون عليه كمصاريف شهرية، مع الاعلان عن حل تلك الحركة.
فقبل سقوط عدن بأيدي الاحتلال اليمني كانت قضية الجنوب تملا العالم ضجيجاً، وتكاد تكون آنذاك هي الصوت الأقوى بين أروقة المنظمات الدولية كالامم المتحدة ودوائرها التابعة لها مجلس الامن وغيره، بالاضافة الى تحركات البعثات الدبلوماسية ومراكز الدراسات العالمية والحكومات والانظمة العربية والدولية التي تفاعلت معها سواء ايجاباً او سلباً، حيث الجميع على وجه المعمورة تابعوا مجريات ووقائع الحرب والاحداث اليومية والتحركات الدبلوماسية وغيرها، وكان للجنوب صوته القوي الذي يحضى بتأييد وتعاطف عربي واقليمي ودولي عكس صنعاء التي كانت في نظر الغالبية مجرد عصابة تسعى لفرض الوحدة بالقوة.
هذه المكانة والتأييد والتفاعل الخارجي مع قضية الجنوب تلاشت مع مضي اقل من اسبوع من دخول قوات صنعاء الى الجنوب واعلان بسط قوتها على كامل التراب الجنوبي لأنها بمجرد بلوغ منطقة التواهي التي كانت آخر محطات الهروب لمن تبقى من المسئولين الجنوبيين عبر البحر سكنت أصوات البنادق والمدفعية ليس في عدن فحسب بل في سائر مناطق الجنوب، في حين صمتت اصوات الجنوبيين نهائياً في نفس يوم دخول الاحتلال الى عدن ولم يعد هناك من يتحدث حتى لوسائل الاعلام، لتتجه الأنظار اعلامياً صوب متابعة خطوات صنعاء وقليلون تحدثوا عن اقامة اماكن ايواء اللاجئين الجنوبيين في دول الجوار التي وصلوا اليها براً وبحراً.
ففي اليوم التالي لاجتياح الجنوب وسقوط عدن، سارعت صنعاء لبعث رسالة حملها رئيس حكومتها باسندوة الى الأمين العام للأمم المتحدة اوضحت فيها بسط يدها على ارض الجنوب واعلان وقف اطلاق النار وقرار رئاسي بالعفو العام عن المشاركين في الحرب في حين جاءت لهجة خطابها عنيفة تجاه من اسمتهم (عصابة الردة والأنفصال الاشتراكيين) خفضت لهجتها تجاه الجنوبيين الآخرين وحاولت حصر المشكلة اجمالاً مع شلة صغيرة حملتها مسئولية ما حدث، كما اختتمت الرسالة بالتزام الحكومة اليمنية بمعالجة اشكال وصور الحرب وتعويض خسائر المواطنين وحمايتهم.... الخ.
بالمقابل التزم قادة الجنوب من حكومة وقادة حزب من النازحون الى الخارج بالصمت المطبق والايحاء بتقبل الهزيمة كلياً، ولم يكن هناك بعد جنوبي يمثل الجنوب في المنظمات الدولية ليتقدم بأي مذكرة ترفض ما حدث او تطالب من مجلس الامن والمظومة الدولية اتخاذ ما يلزم، وبحث طرق العودة الى طاولة المفاوضات والحوار تحت أي بند كان أقلها للحفاظ على حيوية الملف الجنوبي داخل المنظمة الدولية وجامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات الاقليمية والدولية، ذلك الصمت جعل من الجميع الالتزام بصمت مقابل ليظهر الأمر امام المراقب وكأن المسألة ليست سوى شلة أو عصابة حاولت الانقلاب على صنعاء وفشلت.
وانطفأ ملف القضية المتعلق بالحرب والنزاع بشكل كامل، ولم يعد هناك أي مؤشر يوحي باستعداد وقدرة النخبة الجنوبية في الاتصال والتواصل مع الداخل تضمن استمرار اي شكل من اشكال مقاومة الجنوبيين للقوات التابعة لصنعاء وهو الأمر الذي تأكد للخارج ان القيادة الجنوبية لم تعد تمتلك اي عناصر قوة تمنحها امكانية التحكم والسيطرة او على الاقل ادارة أي مقاومة داخلية على ارض الجنوب تمنحها القدرة على ممارسة اوراق ضغط دبلوماسية وسياسية على صنعاء والدول المتحالفة معها.
وخلال السنوات التي تلت الحرب والاجتياح عاش الداخل الجنوبي في عزلة تامة عن القيادة السابقة التي تفرقت وتشتت محطات اقامتها في دول الجوار والعالم، كما لم يلتمس الداخل اي اشارات توحي الى وجود تحرك ما في سياق قضية الجنوب على المستوى الدولي لتتوالى الأنباء القادمة من الخارج عن ترتيب الوضع الشخصي لهذا اوذاك القيادي الذي عمد الى التجارة والاستثمار واخر بات يعمل او يدير شركة او مؤسسة تجارية او عسكرية وغيرها من الأخبار الغير مشجعة التي قد تبعث شيئاً من الأمل في نفوس الجنوبيين.
وفي الداخل لم يستطع الجنوبيين لملمة انفسهم مجدداً عقب خسارتهم في الحرب، بالاضافة الى معاناتهم المتصاعدة جراء الوضع الجديد الذي فرضه الاحتلال اليمني المتمثل في حرمانهم من ادنى حقوقهم، اذ عمد الاحتلال اليمني على تسريح كافة الكوادر والموظفين الجنوبيين من مناصبهم ووضائفهم وتشديد الخناق على المستثمرين والتجار الجنوبيين باتخاذ صور واشكال متنوعة تقود الى افلاسهم لافساح المجال أمام سلطة صنعاء للاستحواذ على كل مصادر الدخل وفرص العمل وحتى على مستوى العامل البسيط.
بالاضافة الى حرمان الجنوبيين من التعليم الجامعي والبعثات الدراسية الخارجية وربط حياة الجميع بمجرد معاشات شهرية لا تفي اطعام شخصين، هذا بالاضافة الى ما صور النهب والسلب للمتلكات العامة والخاصة وحرمان السكان من المشاريع الخدمية ومن ثم ربط اي مصالح للأهالي بجنوبيين موالين ومناصرين لحزبي المؤتمر الشعبي العام وحزب الاصلاح.
كما اتيح المجال امام حزب الاصلاح -الشريك الرئيسي للرئيس صالح في الحرب على الجنوب والشريك في الحكم- وللسلفيين والجماعات الدينية الأخرى بالتحرك داخل الجنوب واستقطاب طلاب وتلامذة المدارس والجامعات والشباب وغيرهم وتلقينهم أفكار جديدة بهدف تربية جيل جديد يؤمن بالتطرف ويعطي الولاء والطاعة للوحدة والحاكم فقط.
كل تلك السياسات المتبعة تجاه شعب الجنوب انهارت مع انطلاقة اصوات الرفض الشعبي الجنوبي لسياسة صنعاء بظهور الحراك الجنوبي الذي جاء على ارهاصات هنا وهناك ظهرت بفعل تراكم المعاناة.
تعريف بالكاتب
رائد الجحافي صحافي وحقوقي يمني متخصص في الشأن الجنوبي
العنوان -
-
رائد الجحافيصحفي وحقوقي من جنوب اليمن