وقف أمام بعضهما البعض ، والصمت يُخَيمُ على كليهما ، ثم قال في شئ من الحزن :
- إذن قررتي الرحيل
+ نعم .. لم يعد هناك خيار أخر
- ألا يمكن .. ؟
قاطعته قبل إتمام كلماته المصبوغة بلون الحزن وهي تقول :
+ أعلم أنك تقول في ذات نفسك أنني متهورة .. و أن قراري هذا غير عقلاني
- لم أقل هذا .. لكن أين هي أحلامنا التي رسمنها معاً ؟ ، و أننا سنظل معا حتى نحققها
ظلت تنظر إليه في إنصات .. محاولة إخفاء وقع كلماته في داخلها ، ثم قالت في حزم :
+ لم أعد أطيق العيش في هذه الأرض .. عن أي أحلام تتحدث ؟ ، الظروف و الأحداث توحي بأن لا حياة في هذا الوطن
أخذ ينظر إليها في تمعن .. والكلمات تخرج من أعماقها .. تعلن تمردها على هكذا مجتمع ، ثم قال :
- أتتذكرين يوم قررنا أنا و أنتِ أن نكون شعلة الأمل في تغيير مدينتا العجوز ، يومها أسسنا أول مؤسسة لتعليم أطفال الأسر المحتاجة ، أين هو حماسكِ و أنتِ تقولين لي : (أحمد أنظر حلمنا بدأ يتحقق .. لقد فرِحَ الأطفال بهدايا العيد ، ألا تتذكرين .. ؟)
+ نعم أتذكر .. لكن تغير كل شئ .. ، أحلامي طموحاتي ، حتى نظرتي للواقع تغيرت ، ألا ترى الشباب يموت ببطئ في عُمرِ الزهور ، وكبار السن من الرجال يقتلون أوقاتهم تحت أسوار المدينة القديمة ، و النساء خرجن للعمل بحثاً عن لقمة للعيش في مجتمع ذكوري فاقد للبوصلة ، أما أمثالي من الفتيات في هذا العمر فهمهن بأن يجدن النصف الأخر هرباً من نظرة المجتمع للفتاة الغير المتزوجة بأنها (...) ، أما أنا فمصيري و إختيراتي "أنا" أنا من سيحددها .. ولن أدع أحد يقف أمام ما أسعى إليه ..
- و أنا يا ريم .. ؟؟
(صمــــــــــــــت)
تجمدت أطرافها وتسارعت دقات قلبها .. وسافرت بها أفكارها إلى اليوم الذي طرق فيه أحمد باب منزل أبيها ، ليطلب يدها منه .. إحمرت وجنتيها خجلاً عندما باركة العائلتين خطوبتهما ، كانت تتمنى أن يكون رفيق دربها إلى الأبد فقد أحبته لطيب أخلاقه و حسن تربيته ، لكن أسيتحقق ذلك .. ؟
خرجت من دوامة أفكارها تلك عندما سمعت نداء داخل المطار بأن رحلتها إلى كندا ستنطلق بعد 10 دقائق
قالت وهي تخفي مشاعرها بين نبضات قلبها الأنثوية :
+ أحمد حان موعد رحلتي ، أستودعك الله .. إلى اللقاء
رسم شبه إبتسامة على وجهه ثم أردف قائلاً :
- حسناً لا تنسي الإهتمام بنفسك ، أه نسيت .. لقد أحضرت لكِ هدية
طالعة يده وهي تُخرج كتاب من الكيس الذي كان يحمله في يده
- أتمنى أن تروقكِ هديتي هاته
لمحت بسرعة عنوان الكتاب (رواية - من أجل سلمى - سامية أحمد) ثم رفعة رأسها لتنظر إليه نظرة أخيرة ، و هي تقول :
+ شكراً لك .. أتمنى أن تفهمني .. ، مع السلامة
- إلى اللقاء يا ريم
أدار كل منهما ظهره للأخر .. (ريم) إلى هناك ، و (أحمد) في الوطن
تساقطت دموع عينيها كأوراق الخريف بعدما حبستها أمامه .. و هي تقول في داخلها :
+ أحمد سأعود لك .. ليجمعنا القدر في بيت واحد لأن أحلامي معك أكبر مما تتصور .. ليتك تفهم ذلك ؟
أمسك بقبضة يده وهو يقول :
- مستحيل أن أتركها لتذهب دون أن أفعل شئ .. مستحيـــــــــــــــــل ، فأحمد ريم وريم أحمد
-
جواد نصيرشعورٌ غريبٌ يراودني .. عندما أتذكر أني عابر سبيل في هذه الحياة .. راحلٌ في لحظة من اللحظات .. فأنا مجرد أنفاس مؤقتة .. تتجاذبها أمواج الحياة .. بين مد الحزن وجزر السعادة .. عتابُ يحاسبني .. ماذا فعلت فيما مضى من حياتي .. ؟ وأمل يجع ...