كانت صغيرة ..
كان أكبر أحلامها هو ألا ينتهي يومها في لحظة ما , فقد كان يومها ينتفض بالتسلية والضحكات التي لا تهدأ ولا تخفت لحظة , ضحكات من لم يلتفت لتلك الحياة ولا منعطفاتها ولا نظراتها المخيفة للبشرية التي تنم عن إختبار جديد ستوقع فيه أحد البشر كعادتها , ضجيج صراخها كان برغم قسوة وقوعه على مسامع البشر حولها إلا أنه منبع الحيوية والإقبال على الحياة , إدخال البهجة في قلوب من وجدتهم حولها بمجرد أن أعلنت الحياة ولادة فرداً جديداً ينضم لأسرة الحياة كان شغلها الشاغل , بكلمات , بتصرفات جنونية , بمجرد إبتسامة خجولة , وما أدراك ما تلك البسمة المترقبة منها ! , التي تحسبها في البداية براءة زائدة منها ثم تنصدم بالواقع المرير ! , فهي دالة على وقوع كارثة إقترفتها عن طريق الخطأ ومن سيدفع ضريبتها هم من حولها " المساكين " , وبعد حلول الكارثة كن على يقين أنك لن تجدها في أرجاء الحياة بأكملها وليس بأرجاء المنزل وفقط , كن على إستعداد أنها ستتبدل من طفلة بريئة إلى مجرم هارب وحريته هذه ستجلب للكون المزيد من الإضطراب , فتبحث هنا وهناك على ذلك المتحول المشاكس , وبعدها بلحظات تجدها منكمشة بزاوية غرفتها تحاول كتم ضحكاتها ولكنها تفشل في المحاولة في كل مرة وضحكاتها هذه أول خيوط إيجادها مع كل فرار , ورؤيتها للممسك بها يجعلها تحرر قيود الضحكات فتفيض على قلبك بالسعادة بعد أن كان على وشك أن ينفجر من الغيظ والغضب ..
علامات الطفولة تتضح في تلك المشاهد , بقلب الطفلة المفعم بالطاقة , وعقلها بنبضه الفكري البسيط , تفاصيل تلك اللوحة لن تجدها غريبة عليك , فأثناء القراءة ستجد شريط ذكرياتك تعود للخلف لتسرد لك مشاهد أخرى إضافية لتُكمل شكل اللوحة , وتجد نفسك بكل مشهد تبتسم من جديد كأنك تراقب من بعيد المشهد وهو يحدث والفاصل بينك وبينه عازل زمنى شفاف إن حاولت الإقتراب منه ستجد خطواتك تحترق , ولكن دعنا نستكمل تلك المسيرة , ونعاود السرد , ونرى .. إلى أين وصلت تلك الفتاة المدللة في حياتها ؟ , وهل إستطاعت فرض إيجابيتها على الحياة أم الحياة إنتصرت عليها ؟ ..
تبدلت الآن , وأصبح كل ما تطمح له هو فهم تلك الحياة , فقط ..
مع كل حقيقة تكتشفها عن تلك الحياة تتصاعد ضحكاتها من جديد , ولكنها الآن ليست ضحكات بهجة , بل هي ضحكات حيرة أكبر بشأن ما توصلت إليه وما سوف تكتشفه بعد , فينتهي بها المطاف للضحك , ضحكات سخرية منها على ما وصلت إليه من حال يشفق عليه المجنون قبل العاقل ! ..
خاطرة ليست بغريبة عليك أو عليكي , اقرأها من جديد واحكم بنفسك , ستجد ملامحك تتشكل مع تشكل كل حرف وصياغة كل جملة ..
لا تتهرب من تحول مسار حياتك , كن ممتناً لما حدث وما وصلت له , مع كل خطوة تخطوها عقارب الساعة , تخطو أنت الأخر خطوات نحو التغير والتبدل , طفولتك قد إنقضت منذ زمن , وحان الآن وقت إختبارات الحياة , وقت الجد , وقت الخطأ فيه لن يحتمل تصحيح من جديد , إما فوز إما خسارة أبدية , والأمر كله يعود لك , هل أنت على إستعداد لخوض تلك المبارزة مع حقائق الحياة ؟ ..
ملحوظة بسيطة " صورة المقال مستوحاة من فتاة حقيقية , من الفتاة التي تحدث عنها المقال , ومن الفتاة التي كتبت المقال نفسه , صورتي أنا , أثناء مولدي الأول , فلا تتعجبوا , فأنا الآن قد ولدت من جديد ببداية جديدة , بداية فكرية جديدة , وقلب لايزال ينبض بالطفولة ! " ..