لا شكَّ أن الأدب قِبلة الشباب الرافض لواقعه والساعي نحو عالم أفضل ، ففي الأدب يجدُ الإنسان عالمه الذي طالما تمنى أنْ يعيش فيه ، كما يجد فيه نموذجه التي يتمنى أن يصبح عليه ، ولمّا كانت جودة ما يُقدم لهم هو الضامن الوحيد كي لا تنحرف عقولهم وتفسد أذواقهم ، أصبح لزاماً علينا انتقاء ما نُقدمه لهم من موضوعات تُرضي شغفهم وتُخاطب عقولهم . يَنصّبُ تركيز معظم الروائيين الشباب اليوم على السلعة الرائجة في سوق الكتاب ، ونتيجة لذلك خرجت لنا عشرات الكتب المتشابهة والتي تتطابق في موضوعها ومضمونها ، وأصبح الكتّاب اليوم بين مُقلدين لا يقدمون أي جديد أو مُجديين لا يقدمون ما يُفيد ، وتشابهت موضوعاتهم فهي بين الحب الرومانسي والرعب والخواطر ودوواين العامية والأدب الساخر ، والغريب أنّ شِعارات هذه الكتب لاقت رواجاً كبيراً بين القراء ، واحتفى الكثير منهم بعباراتها المحفوظة واتخذوها منهجاً واعتبروها مُعبر قوي عن أعمق مشاعرهم الإنسانية ، ولا ننتقد هنا أذواق القراء فالأذواق لا تُبرر وما يراه القارئ جميلاً فهو جميل ، ولكن نتحدث إلى هؤلاء الكتّاب فهم صانعوا هذه الأذواق .
غالباً ما يتم نقد العمل الأدبي من حيث بنائه الفني وجماله الأدبي ومدى بلاغته واللغة المستخدمة فيه ، ونادراً ما يتم نقده على أساس موضوعه وفكرته الرئيسية . ووظيفة الأدب الأولى أنه يُساهم في صنع المجتمع بصنعه للإنسان مُغلِفاً ذلك الهدف بغلاف الإمتاع والجمال الفني ، فهو إذن قَيدُ ذلك ، بمعنى أنه إن لم يساهم هذا العمل في بناء إنسان صالح فضره أكبر من نفعه ، ولنأخذ بعض هذه الأعمال ونحاول أن نُبين ما لها وما عليها ، وما مدى إسهامها في الهدف الأسمى للأدب .
روايات الحب وقصص الغرام وهي الأكثر رواجاً حالياً ، موضوع اُستهلك منذ مئات السنين وإعادة طرحه بكثرة أفسد عن غير قصد ما يتناوله ، فهي قصة الكل يعرفها ، لا تخلو من الإيحاءات الجنسية ، حب معقد تَشوبه الخيانة أحياناً ، يصعُب تحقيقه ، وإنْ تحقق في النهاية فهو خيالي ومثالي لا نلمسه في واقعنا ، ومشكلته الأخرى ، أنْ بعض هذه الأعمال تتناول الحب كغاية بحد ذاته دون أن يحمل العمل بين طياته أي دعوة لقيمة إنسانية حسنة أو خُلق كريم يرتبط بالحب ، أعظم العلاقات العاطفية تحولت إلى كلمات على ورق تُباع وتُشترى .
الخواطر ويُقدم الكاتب فيه لنا تنبيه عن قضية اجتماعية أو موعظة خطرت بباله وهو نوع أدبي كالرواية والقصة القصيرة ، ولكنها تحولت اليوم إلى مُجرد مشاعر مرّ بها الكاتب فنقلها بدون تفكير في فائدتها للقارئ ، ولبعض كتّابها أوجه هذه الأسئلة ، ماذا يُفيدني كقارئ أن أعرف خواطرك أيها الكاتب ؟ ، هل حتماً سأمُرُ بنفس تجاربك واُعايش ما عِشته أنت من أحداث ؟ ، وإن حدث ذلك فهل إنطابعي ورَدّة فعلي تِجاهها ستكون مثلك تماماً ؟ ، هل تدرك خطورة ما تكتبه على شخصية بعض القراء ؟ ، ادخرها لنفسك إذاً ولا تُقدمها لأحد .
قياساً على ذلك أعمال الرعب والأدب الساخر وقيمة ما يقدمه كل عمل منهما ، لاشكّ أن المتعة تتوفر بكثرة في بعض هذه الأعمال ولكنها لا تكفي لعمل أدبي له غاية تتعدى المتعة ، ولو دققت النظر ستجد أن حاصل هذه الأعمال صفر إن لم يكن بالسالب .
عرض الواقع في أدب الخواطر والتهكم عليه فى الأدب الساخر وتفصيل بعض مشاكله في الأدب الرومانسي يُمكن أن يكون مفتاحاً سحرياً للولوج لقلب القارئ ولكنه لا يمكن أن يكون الغاية والوسيلة في نفس الوقت ، فما تعرضه يعرفه الجميع ولكن حلولك ومقترحاتك لهذه المشكلات هو ما لا نعرفه ، صحيح أن معرفة المشكلة جزء من حلها ولكن إن لم يكن الأدب دواءً شافياً لمرض اجتماعي ما فهو مُخدر ومُثبط قوي المفعول ، واليوم لسنا بحاجة للهروب لعالم القصص والخيال الأفلاطونية ولكننا بحاجة إلى فكرة جديدة تضيئ لنا ظلام الواقع ، بحاجة إلى صدمة عقلية تُنبهنا لغفلتنا . بامكانك استخدام أسلوبك الأدبي الرائع لأثر قلوب قرائك ولكن لا تنسى أن تقذف فكرتك داخل عقولهم ، اعرض مشاكلنا وتهكم عليها واسخر منها ولكن لا تكتفي بذلك وارسل لنا رسائلك البناءة ، انتقِ ما تكتب عنه فهناك ما لا يستحق قلمك وعيون قرائك ، قَدِمْ سمفونيتك الجديدة واعزف لحنك الأدبي الرائع وغَرِدْ خارج السرب قليلاً ودع عنك تهافت الكتّاب .
-
م / أحمد عليإن آمنت أنّ التميز لا يأتى عبثاً ، وأنه الاجتهاد وحده هو من يصنع الفارق ، إنْ كنت أفلاطونياً فى مخيلتك ونيوتن فى واقعك ، فمَرْحَباً بك هنا يا صديق . يمكنك إضافتي هنا https://www.facebook.com/profile.php?id=100004447519100