علاقة الذّكاء العاطفيّ بالإبداع - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

علاقة الذّكاء العاطفيّ بالإبداع

  نشر في 28 غشت 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

للذكاء العاطفيّ من الإلهام إلى الإدراك، دور في تفعيل الإبداع.

الإبداع مليء بالعواطف. الأحداث، والتفاعلات وحتّى أفكارنا الخاصة، يمكن أن تحفّز عواطفنا، لكنّ العواطف ليست شيئاً يحدث لنا دون أن نكون قادرين على صنع شيء للتعامل معه، فنظلّ تحت رحمة هذه العواطف تتلاعب بنا، ولا حول لنا ولا قوة في أن نصنع شيئاً حيالها.

لا أقول هذا الكلام إنكاراً منّي لفكرة أنّنا يمكن أن نكون في مواقف قويّة جدّاً، والّتي ينتهي بنا الأمر فيها إلى أن نكون منجرفين كالدمى مع العواطف الّتي تثيرها فينا، والمواقف الصادمة هي إحدى المواقف الّتي تنتمي إلى هذه الفئة. على أي حال، نحن نمتلك القدرة في معظم المواقف اليوميّة الّتي تصادفنا على أن نتعامل مع عواطفنا.

والذكاء العاطفيّ هو: القدرة على التعامل مع العواطف والنظر إليها بعين المنطق، وأن نعمل بقصد على التأثير في عواطفنا وعواطف الآخرين من حولنا. ويتألف الذكاء العاطفيّ من أربعة قدرات محدّدة هي: إدراك الإنسان لمشاعره ومشاعر الآخرين بدقّة، السيطرة على العواطف واستخدامها لصالح التفكير وحلّ المشاكل، فهم المسبّبات والنتائج الّتي يُحتمل أنها وراء مختلف العواطف الّتي نشعر بها، والتأثير على حالة عواطفنا، والمساعدة في تنظيم مشاعر الآخرين ممّن حولنا.

يُمكن للعواطف أن تلهم الإبداع – كما يحدث عندما يُلهم الانفصالُ عن شريك الحياة شخصاً ما كلمات أغنية عن الانفصال، أو عندما تقود مشاعر الإحباط بسبب عدم الرضا عن المنتجات الاستهلاكيّة الموجودة رجل أعمال إلى صنع منتجات جديدة – وتكون العواطف موجودة طوال العملية الإبداعية، بدءاً من القلق حيال المشاكل الغامضة الّتي قد ترافق هذه العمليّة وانتهاءً بالبهجة الّتي يسبّبها خلق منتج جديد، أو إتمام أداء ما. قد يكون دور العواطف في العمليّة الإبداعيّة أكثر بداهة ووضوحاً في حالة الفنون، لذا فإنّ الفنون هي المكان الأول الّذي يستحقّ أن نبحث فيه عن أمثلة عن الكيفيّة الّتي يبرز فيها دور الذكاء العاطفي في الإبداع.

في مختبري، قمنا باختيار 99 فناناً من الرسّامين والنحاتين والملحنين ومصممي الرقصات والكتّاب، وسألناهم عن دور العواطف في عمليّاتهم الإبداعيّة، فأخبرونا بكلماتهم الخاصة أنّ العواطف هي امر مشترك في عملهم، وكيف يقومون باستخدام عواطفهم والتحكّم بها دعم أعمالهم الإبداعيّة. وصف الفنّانون العواطف بأنّها الوقود والحافز لأعمالهم، وشرحوا بوضوح كيف يساعدهم الذكاء العاطفي في إتمام عمليّاتهم الإبداعيّة.

إنّ ملاحظة العواطف غالباً ما تكون مصدراً للإلهام الفنيّ. فمثلاً، ذكر كاتب يعمل على كتابة قصّة في الخيال العلميّ إنّ قصّته تأثّرت بخسارات مُني بها خلال حياته. وإنّه استوحى إحدى شخصيات قصّته من امرأة كان كثيراً ما يمرّ بسيّارته قريباً منها في الشارع، كانت دائماً ما تمشي محنيّة الرأس، وتبدو حزينة بشكل لا يصدّق.

وقد ذكر هؤلاء الفنّانون كيف تؤثّر عواطف مختلفة في جوانب مختلفة من جوانب العمل. مثلاً، وضّح لنا رسّام يعمل على رسم لوحة تجريديّة إنّ الغضب يساعد على خلق خطوط قويّة وصارخة في اللّوحة، بينما يسمح الحزن للألوان بأن تكوّن المزاج الحزين للّوحة، أمّا السعادة فتعمل على جعل اللّوحة متماسكة وذات قوام متناسق، لذا فإنّها لا تتحوّل إلى لوحة تبعث على الحزن تماماً.

ويحمل الفنّانون أنفسهم على الشعور بطريقة معيّنة، إذ إنّهم يولّدون عواطف تساعدهم في أعمالهم. وضّح مصمّم رقص يعمل الآن على تصميم رقصة عن نبذ العلاقات غير السويّة: "مع إنّي لم أكن في علاقة غير سويّة يوماً ما، إلّا أنّي مررت بتجارب مع أناس جعلوني أشكّ في نفسي وفي قدراتي. أنا أستخدم تلك العواطف وكيف شعرت في تلك اللّحظة، وأحاول أن أترجمها الى حركات في الرقصة الّتي ستُظهر الصراع الداخلي بطريقة واضحة. لذا فالناس يستطيعون أن يربطوا وأن يضمّنوا قصصهم الخاصّة في الرقص".

وتحدّث هؤلاء الفنّانون أيضاً عن أهميّة فهم طبيعة العواطف الّتي غالبا ما تكون معقّدة، والوعي بالبواعث الخاصّة بكلّ من العواطف المختلفة. روى قائد أوركسترا يعمل على أداء اوبرا (زواج فيغارو): "يحتاج الأمر إلى شجاعة لنقل عمل عظيم مثل هذا العمل من الثقافة الأصلية الّتي صُنع بها إلى ثقافة أُخرى. كنت على ثقة بأنّني قادر على قيادة المجموعة، لكنّي رغم ذلك كنت أشعر بالخوف من ألّا نكون قادرين على إيصال هذه القصّة الموسيقيّة إلى الجمهور الأمريكيّ. كانت تتناوب في داخلي مشاعر السرور والخوف، كنت مبتهجاً بسبب الأداء الّذي نجريه والفنّ الذّي نقوم بصناعته، لكنّي كنت أحمل همّ الأعباء الماليّة الّتي يجب على الشركة أن تتحمّلها".

يمكن للعمل الإبداعيّ في حدّ ذاته أن يكون وسيلة للتأثير على عواطف الفرد وتغييرها. وفي هذا الصدد، ذكر رسّام يعمل على سلسلة من الأعمال اليوميّة الصغيرة: "ما إن بدأتُ في تكريس نفسي للعمليّة الفنيّة حتّى كُسرت شرّة خوفي وقلقي وخفّت حدّتهما، بدأت أشعر بأنّي أكثر هدوءً من ذي قبل، وأكثر وعياً بذاتي، وأكثر انفتاحاً للسعادة والمرح، وأكثر تواصلاً وفهماً لمشاعري".

وقد وضّح نحّات يعمل على صناعة قناع من الطين الملوّن، أنّ العواطف في حاجة إلى التنظيم دائماً ليتمكّن المرء من القيام بأداء عمله أفضل أداء، بقوله:

"قبل أن أجدد العواطف الّتي أعطتني أوّل إلهام للقيام بالعمل، أقوم بخلق 'منطقة' أستطيع فيها أن أستدعي وأثير العواطف الجديدة دون أن تشتّتها عواطفي الحاليّة المتقلّبة، ولكي أقوم بذلك، أدخل في حالة من التأمّل لمدة قصيرة، وأتجاهل كلّ شيء ممّا حولي. ثمّ أخلق جوّاً في داخل عقلي الّذي أفرغته من كلّ فكرة أخرى بوساطة الموسيقى أو بوساطة تركيز شعوري على عملي الّذي سأقوم به ثمّ امتص العواطف المتضمّنة في كلّ بوصة من هذا التركيز".

لكن الفنّانون ليسوا وحدهم الّذين يمكنهم أن يستفيدوا من الذكاء العاطفيّ. فقد وضّح (جينغ زهو) و(جينيفر جورج) اللّذان درسا الإبداع والابتكار في مكان العمل، كيف يعمل الذّكاء العاطفيّ للقادة المنظِّمون على التأثير في موظّفيهم خلال جميع مراحل العمليّة الإبداعية.

فالقادة ذوو الذكاء العاطفيّ يمكنهم أن يلاحظوا في الموظّفين عدم الرضا إذا كان الموظّفون يشعرون بعدم الرضى، كما يمكنهم تشجيعهم ودعمهم لتوجيه عدم الرضى هذا إلى خلق تحسينات في العمل. هؤلاء القادة يمكنهم أن يدركوا العواطف الّتي يشعر بها الموظّفون عندما يقومون بجمع وتوليد وتقييم الأفكار، وفضلاً عن ذلك، فإنّ باستطاعتهم أن يساعدوا موظّفيهم في التعامل مع هذه العواطف لتحقيق أفضل النتائج.

وبينما يحتاج القادة إلى أن يساعدوا موظّفيهم على تحمّل العواطف المزعجة، كأن يعملوا وهم يحملون مشاعر الاستياء والإحباط، فإنّهم يحتاجون كذلك إلى أن يساعدوا الموظّفين على أن يتحكّموا بأنفسهم عندما يشعرون بالعواطف السّارة أيضاً التّي يمكن أن تصادفهم في الطريق إلى تحقيق الأهداف الإبداعيّة. فعلى سبيل المثال، يستطيع القادة أن يساعدوا الموظّفين على أن يدركوا أنّ الفرح بالأفكار الأوليّة يمكن أن يقودهم إلى اتّخاذ حلول وقرارات سابقة لأوانها. وفي النهاية، القادة الأذكياء عاطفيّاً يمكنهم أن يساعدوا الموظّفين على أن يثبتوا في وجه التحدّيات وأن يكسبوا الدعم لمنتجاتهم حتّى في مواجهة الانتقادات.

إذن، لتكون مبدعاً، لا تتجاهل عواطفك، بل فكّر فيها واستخدمها في توليد أفكارك. فاستخدام الذكاء العاطفي سوف يُلفت انتباهك إلى التجارب الّتي يمكن أن تصبح مصادر لأفكارك وأن تساعدك على الحفاظ على شغفك وعلى مثابرتك لتحوّل الأفكار إلى منتجات وإلى أداء مثاليّ. 

..........................................................

تشرفني متابعتكم لمدوّنتي الجديدة على الرابط:

https://successgate.video.blog/2019/08/28/علاقة-الذّكاء-العاطفي-بالإبداع/


  • 1

   نشر في 28 غشت 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا