إلياس المزياني .. مشروع هروب من الوطن لم يكتمل !
الهروب من الوطن .. عندما يموت الشباب المغربي بهوية لاجئين سوريين
نشر في 22 ديسمبر 2015 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
" الفقر في الوطن غربة .. و الغنى في الغربة وطن " كلمات قالها عليُ كرم الله وجهه قبل مئات السنين و اليوم يقولها يوما بعد يوم لسان حال فئة كبيرة من الشباب في وطني شباب لم يعد يرى في مغربـ ـهِ ما يستحق البقاء أو حتى ما قد يُغريهِ بالإنتظار، و التمسكُ بالوطنية مقابلَ حاضر فارغ و مستقبل مُبهمِ المعالم أصبح أمراَ صعبا يجعل من الوطن مقبرة .. و لا حل إلا الهروب !
هروب يستوي فيه ذو الكفاءة و دونهُ فلم يعد هناك فرق بين الهجرة الشرعية و الغير شرعية أو بالأحر لم يعد هناك وقت للتمييز بينهما فالبطالة و " قلة مايدار " لم تستثني ذاك الحامل لشهادته و لا ذاك الحامل لـ " سبع صنايع و الرزق ضايع " كما يُقال ، تردي الأوضاع الإقتصادية بالأساس أضحت تنخر جسد الشباب حتى عَوَدَتْهُم على أن الحصول على عملِ قار هو حلم بعيد المنال في وطنهم و صنعت جيلا قد تسأله يوما عن حلمه في المستقبل فيجيبك " بغيت نمشي لأروبا نقرا .. نخدم ... " أنا لا أبالغ !
بعد مدة ليست بالطويلة تعود الهجرة غير الشرعية في صفوف الشباب المغربي من جديد إلى الواجهة رغم أنها لم تتوقف يوماَ و المناسبة الأزمة السورية .. مصيبة قوم عند قوم فوائد !
فقد أضحى مأخراَ المئات ويمكن القول الألاف من الشباب المغربي يتقاسمون مع أشقائهم السوريين نفس طريق اللجوء التي يسلكونها نحو القارة الأروبية هربا من الحرب و عدم الإستقرار التي تشهدها بلادهم فهؤلاء يهربون خوفا على حياتهم و بحثا عن بديل ربما مؤقت لوطنهم الذي مزقته الصرعات المسلحة و الأخرون من أبناء وطني يفرون بالألاف خوفا على مستقبلهم الذي لا يعرفون له ملمحاَ .. يذهبون في رحلة لا يعرفون أين و متى ستنتهي بهم يبدؤونها بتذكرة سفر إلى تركيا من ثم يضعون وثائقهم المغربية جانباَ و ينطلقون في طريق طويلة مليئة بالمهربين لا يرونها أخطر من فراغ يميتهم كل يوم في وطنهم ..
" إلياس مزياني" شاب في العشرنيات من عمره من شمال المغرب و بالضبط من مدينة الناظور قرر هو الأخر أن يلحق بركب مئات من أقرانه من أبناء مدينته و رأى في ذلك فرصة ليغادر طوعا من بلد كَوَنَهُ و لم يوفر له عملا لم يوفر له أملا لم يوفر له متسعا لأحلامه، رغم أنه كان يعي كل الوعي بخطورة ما يُـقْدِمُ عليه لكنه أسر على ما هو عليه مرغمُ و ليس مخيراَ و إن كان كذلك فسيكون مخيرا بين غربة الداخل أو غربة الخارج، ودعَ أمه و هو يطمئنها بإبتسامة تخفي الكثير من الحزن أنه سيكون بخير و أنـه سيعود إن هو أحس بخطر عليه لكن الأقدار شائت أن يذهب "إلياس" بدون عودة عودةُ كانت ستعيد الحياة في أسرته و عائلته التي كانت تموت مع كل صورة تصلهم و الإبن فيها جثة مفحمة بالكاد يمكن التعرف عليه في نهاية مأسوية أودت بحياته و هو عالق على الحدود اليونانية-المقدونية بسبب صعقة كهربائية كانت تنتظره فوق إحدى السكك الحديدية التي تربط بين البلدين ..
مصرع إلياس هو نموذج لخطر هدد و لازال يهدد منذ شهور ألاف الشباب ممن مزقوا جوازاتهم و إستعاروا هويات تثبت أنهم لاجئون فارون من الحرب للوصول إلى مبتغاهم إلى أروبا التي يعتبرونها جنة فوق الأرض و كلهم أمل في بداية حياة جديدة تنهي سنوات القهر و الفقر و اليأس و تمنحهم و لو القليل مما حُرمُ منهُ في وطنهم ..
وطنهم الذي وهُم على طريق الموت تُصْرَفُ فيه الملايير على مهرجانات الليالي الحمراء و تستقبل فيه الراقصات على "العماريات" بالملايين، وطنهم الذي يسع ضيوف مراكش من كل أنحاء العالم و لا يسع أهله و أبنائه، وطنهم الذي فيه شعب يصرف على برلمان لا يخدِمه و لا يتفق أعضاءه إلا على رفع أجورهم و لا يناضلون إلا على توريث معاشاتهم و فيه حكومة لم يعرف بعد هل هي المُسَيرة أم نفسها مُسَيرة، وطنهم الذي فتح في وجههم الأبواب على مصرعيها ليغادروا في صمت، وطنهم الذي لم يمنحهم سوى الإسم ..
بعدها و عوض أن يُحملَ المسؤولية لمن تقع عليه يحدثك أحدهم و يقول : أن يصبحوا لاجئيين ليس بالحل .. و لماذا لا يصبحون لاجئين في بلد يحترمهم ويقدم لهم الخدمات أكثر مما يقدمها لهم وطنهم ولماذا لا يصبحون لاجئين ولم يعينهم أحد على تحقيق ذاتهم المفقودة في وطن الخير والثروات المفقودة التي لازلنا نبحث عنها ..