انتهي المسرح وبدأوا الناس بالتصفيق وخاصة الاطفال. كان عرضا رائعا كعادته

_هل اعجبك العرض يا فريدة ؟

_نعم يا ابي أريد ان احضره مرة اخري

_يضحك الدكتور احمد (الاب ) وينظر لها نظرة حنان ويخبرها بكل تأكيد

ثم يحول وجهه الي صديقه (علي) وهو صديقه الوحيد المتبقي له في تلك الحياة متابعا حديثه علينا ان نكمل تلك السهرة في المنزل ما رأيك يا صديقي؟

_انت تعلم انني يجب ان استيقظ باكرا لأن عندي كثير من المحاضرات غدا لكن يمكن ان نجلس قليلا من الوقت .وكان دكتور في الفلسفة في جامعة القاهرة  وهو الانسان الوحيد الدي كان يحب ان يتكلم معه بعد ان تفرق الاصحاب في دوامة الحياة

عندما ركبوا السيارة كانت فريدة قد غاصت في النوم كعادتها

_ابتسم احمد وهو يقول ان فريدة ستغضب في الغد لانها لم تكمل السهرة معنا فهي تحب ان تلعب معاك دائما

_ ربما ستعرف عندما تكبر أن النوم هو اعظم مكافأة ممكن ان يحصل عليها الانسان في حياته وانه ليس عقاب

وصلوا البيت وقام احمد بادخال فريدة الي غرفتها وجهز القهوة ونزل ليكمل حديثه مع صديقه. ربما هيا افضل لحظات الدكتور احمد عندما يتحدث مع صديقه ربما هي اللحظة الوحيدة التي يشعر بها انه موجود او حي  التي يجد من يشاركه مأساته.

_يقول علي :اعتقد أن فريدة كانت سعيدة للغاية اليوم

_نعم اعتقد ايضا .فأصبحت هي مصدر سعادتي الوحيد في تلك الحياة فبعد وفاة هدي(زوجته) لم اعرف ما هي السعادة وكأنها رمز لشئ غير موجود او لايستمر في تلك الحياة .ولكن فريدة هي سبب استمراري في تلك الحياة.

_ لكنك عليك أن تستمر لأجل ابنتك فأنت شخص مؤمن دائما وكنت تكره الفلسفة وتصفني دائما بالمجنون (يضحك)

_يبتسم ابتسامة حزينة ولكن انني اشعر بالعجز كانت هدي تتألم وأنا لا استطيع أن افعل شئ كان السرطان ينتشر في جميع انحاء جسدها وانا طبيب عاجز عن فعل أي شيء .ربما كل ما فعلته هو انني بعد وفاتها فتحت مركزا لعلاج تلك الاورام اللعينة حتي اخفف من شعوري بالندم والعجز.

_ربما تلك ما أسميها بمتناقضة القدر انه من قلب معاناة أخرين تتولد سعادة أخرين وكأن السعادة والألم شيئان متلازمان يأتيان سويا رمزا لمعني واحد وهي الحياة.

_القدر ؟ في لحظة وانا اشاهد مسرح العرئس شعرت اننا مثل تلك العرائس فقط شيئا يحركنا لتحقيق الاشياء ونحن نتعلق بالخيط وأننا مجرد أداة او اسباب لتحقيق ما هو مقدر أن يحدث . شعرت واننا نسخ يصنعها القدر .سكت قليلا .... ثم استطرد قائلا فليسامحني الله فأنا متعب للغاية وأشعر كأن حزن العالم قد تجمع في قلبي الأن .هل يمكن أن تخبرني يا صديقي ما رأيك؟لم أحب الفلسفة يوما ولكن ربما أجد الحقيقة فأهدأ قليلا (يقول مبتسما)

_فأنت الأن اصبحت فيلسوفا عظيما وكأنني أخاطب ارسطو الأن ..... (يضحكون)

انظر يا صديقي أن ماهية القدر شغلت الفلسفة وما زالت تشغل الفلسفة ولكن لن اخبرك بتاريخ الفلسفة  الأن فانه ليس مهما الأن يمكن ان اخبرك برأيي أننا نصنع القدر ويصنعنا في نفس الوقت

_كيف نصنع الشئ وهو يصنعنا ايضا؟

_اننا يمكن أن نقسم تلك الفكرة الي جزئين وهما : ارادة الاختيار وارادة الفعل وهو القدر .

_ مازلت لا افهم ايضا انه مازال لغزا

_ سأحاول التبسيط لكن علينا أن نطرح علي أنفسنا سوالا اولا كيف يرانا الله ؟ان الله هو خارج نطاق الزمان فانه لا يتاثر بقوانين الزمان والمكان التي نتاثر نحن بها لانه يقف علي عتبة خارج تلك القوانين فانه يرانا دون في الماضي والحاضر والمستقبل في نفس الوقت اي انه يرانا شيئا متصلا غير منفصل بأزمنة كأننا بالنسبة اليه مجرد لحظة واحدة اعرف أن الموضوع صعب أن ندركه بعقل يخضع لقوانين الزمان والمكان ولكن هل بدأت تتضح الصورة قليلا؟

_نوعا ما اعتقد انني قرأت ما تقوله في احد الكتب عن الفيزياء يتحدث فيه عن النسبية وتباطؤ  الزمن او شئ شبيه لما تقول

_نعم لكن دون الدخول في تفاصيل تلك النظرية حتي لا تزيد من الأمر تعقيدا تخيل أنه عندما تولد أستطيع أن اراك في ثلاثة شاشات تلفاز في نفس الوقت في الحاضر والماضي والمستقبل فانني اعرف ما ستختاره في المستقبل وفقا لاختياراتك وارادتك الحرة دون تدخل في اي شئ كل ما يحدث هو انني رايت نسختك المستقبلية دون أن تصل اليها انت ولكنك أنت من يختار ما تريده وفقا لارادتك

_وما هو دور القدر في تلك الاختيارات التي اردت ان افعلها ؟هل تقصد ان القدر هو من يقرر حدوثها او لا؟

_نعم فهو ارادة الفعل اما أن يحدث ما تريد فيحدث توافق بين ما تريد وما يحدث فتشعر في تلك اللحظة وكأنك تصنع القدر وفي لحظة أخري لا يحدث ما تريد فتشعر كأن القدر يصنعك .

_فنحن مسئلون عما نريده وليس ما يحدث الأن فهمت ما قد تعني جيدا فلو أن انسان قرر قتل انسان اخر فهو ليس أداة لتحقيق القدر بل هو المحرك الأول بتلك الارادة الفاسدة والقدر فقط كان تأكيدا علي فساد نيته

_ نعم حتي لو أن القدر كان عائقا عن تحقيق ارادته فانه سوف يحاسب علي ارادته السيئة لكن نحن كمجتمع سنحاسبه فقط علي كون الجريمة حدثت او لا ويظل حكمنا كبشر ناقصا غير قادر علي الوصول للحقيقة

_لكن لما نتألم لما لا نقبل بعجزنا لما نشعر بالحزن دائما لما لم تريحنا الحقيقة لما اصبحت تشكل الحياة مأساة حقيقية لنا ؟

_ ان المعرفة لن تجعلنا نحيا سعداء انها لعنة تزيد من مأساتنا تزيد من عبأ الحياة علينا.ربما اخبرتك بماهية القدر لكن ليس كل شئ يمكن ان يدركه العقل أننا لن نستطيع أن ندرك المغزي والمعني من حدوث الاشياء وتلك هي سبب ألامنا دائما اننا بالرغم تقدما عقلنا يجب أن نؤمن أن هناك أشياء يجب أن تتخطي قوة العقل نفسه هي الوحيدة التي تستطيع تجعلنا نتقبل الاشياء كما هي هي قوة الايمان

_لكن هل تعتقد اننا لسنا بمؤمنين بما يكفي لنتقبل الحقيقة ؟ هل ستظل الحياة رمزا لمعانتنا الي الأبد؟

_لم نصل اليه بعد .علي كل انسان ان يبحث عن ايمانه الخاص هو القادر علي جعلنا تحمل الالم سيجعلنا قادرين علي موصلة الحياة قادرين علي أن نقدر ألم غيرنا ربما عندما نصل اليه سنقف حدادا علي المأساة الانسانية الكبري وسنصل الي السلام الداخلي ونصل الي أن السعادة الحقيقية كما يقول الفيلسوف سينكا هي أن تعرف كيف تتألم وتتعايش مع احزانك  وتتحول الحياة الي عزاب نبيل.

_نعم انت محق يجب ان نجد انفسنا من جديد ونجد ايماننا ربما نجد حياة عظيمة تستحق انا نحياها . اشكرك يا صديقي فربما انت وابنتي عزائي الوحيد في تلك الحياة

_ ربما وجودنا معا هو قدرنا(يضحك) .لكن يجب أن اغادر الان فأنا عندي الكثير من المحاضرات غدا. سنتقابل قريبا

_ نحن نريد ولكن نتمني أن يوافقنا القدر (يضحكان وهما علي الباب )

غادر علي  وبقي احمد وحيدا يفكر في ما دار بينهما

ثم قام و كتب في مفكرته (ربما لم يكن قدري أن تكون الحياة لي ربما حياتي ستكون لغيري ان سعادتي في جعل ابنتي سعيدة في تخفيف ألام المرضي ربما تلك هي معني الحياة انا احيا لغيري.............) ثم دخل لينام حتي يرتاح من ألامه وافكاره حتي يواصل دوره في مسرح الحياة