الوقت بأعين الحداثة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الوقت بأعين الحداثة

  نشر في 29 يونيو 2018 .

أشارت النظرية النسبية إلى أن حضور الوقت هو أمر نسبي يتعلق بكتلة المادة و حركتها و يختلف حسب تموضعها في نسيج الزمكان الكوني و لكن تكرس على الصعيد العالمي منذ بدايات القرن العشرين في الأنظمة التعليمية و القضائية والأنظمة الإدارية لمؤسسات الدولة و للشركات الإنتاجية و التسويقية سياق آخر للتعاطي مع حضور الوقت.

أبرز ما أفضى إليه هذا التعاطي هو تجهيز اللحظة الآنية للأفراد بتقنيات تسجيلية لقياس فعالية نشاطاتهم و أفعالهم من خلال آليات مراقبة عامة تشمل جميع المؤسسات و الأجهزة التابعة للدولة ( القضائية, التعليمية, الاقتصادية, الصناعية, المالية, التجارية) أو حتى من خارجها و بالتالي أصبح حاضر الأفراد لا معنى له و الأثر و الفعالية كلها للماضي المقاس و المثبت بدقة ضمن أرشيفهم الخاص.

لحظة ولادة الأفراد بحد ذاتها لها حيز ضمن الحالة التسجيلية فولادة الفرد تتبع تلقائياً بإجراءات القيام بإنشاء سجل خاص به ضمن المؤسسات القانونية التابعة للدولة و مع دخول الفرد للمؤسسات التعليمية تُعّد سجلات لتثبيت قياسات مدى فعاليته خلال فترة تواجده لدى هذه المؤسسات, و هذه القياسات هي التي تحدد المعارف و العلوم المتاح أمام الفرد الاطلاع عليها حد التخصص و بغرض الممارسة,و المعارف و العلوم و الخبرات التي لا يحق له الاطلاع عليها عبر المؤسسات التعليمية العليا و التي تتضمن تقنيات لتسجيل قياسات مدى فعالية الأفراد في استيعاب المعارف و الخبرات التي تقدمها هذه المؤسسات في حقل معرفي أو علمي معين, فإن فعالية الفرد مهما كانت عالية في الاطلاع النظري أو الممارسة العملية ضمن حقل علمي أو معرفي فإنه غير مُقر بها لدى معظم نظم و آليات العمل للمؤسسات الحكومية و الخاصة إذا لم يتم هذا الاطلاع و هذه الممارسة ضمن مؤسسات تعليمية ترفق سجلات مثبت عليها مدى فعالية الفرد المُقاسة من خلال تقنيات امتحانية, أو أن تكون هذه الفعالية مُقاسة من خلال آليات مراقبة لأداء الفرد خلال فترة ممارسته لعمل ما ضمن مؤسسة معينة و يثبت هذا القياس بما يصطلح عليه باسم شهادة الخبرة.

ففعالية الفرد مهما كانت مرتفعة خارج إطار لحظة القياس من أجل تثبيتها هي فعالية منتهية ولا وجود لها بالنسبة للمؤسسات التعليمية و بالنسبة لمعظم نظم عمل المؤسسات في مختلف الميادين و المجالات, و يمكن أيضاً أن تكون فعالية الفرد غير معترف بها لا على مستوى العمل المؤسساتي و لا على المستوى الاجتماعي في حال كانت فعالية الفرد في قدرات مهارية صادف عدم وجود تقنيات لقياس مداها في المؤسسات و الهيئات التي تواجد بها .

فالنظم الحضارية الحالية تقوم بشكل عام بتحديد المسارات الملزم على الفرد إظهار فعاليته فيها منذ فترة مبكرة من حياته من أجل قياسها و تثبيت هذا القياس الذي يبنى عليه نوع المعارف و الخبرات التي يحق للفرد الاطلاع عليها و اكتسابها من خلال المؤسسات التي تقدم معارف و خبرات معرفية و علمية و مهنية و التي تكون مرعية من قبل الدولة أو معترف بها من قبل أنظمة العمل في الدولة, وحتى بعد عملية تحديد المعارف و العلوم و الخبرات التي يحق للفرد الاطلاع عليها فإن عملية قياس أدائه و فعاليته تظل فاعلة من قبل المؤسسات المسؤولة عن إكساب و تلقين الفرد هذه المعارف و الخبرات من أجل تسهيل تصنيف موقعه ضمن نظم العمل بعد انتهائه من عملية الاكتساب و التلقي, و حتى بعد ارتباط الفرد بنظام عمل مؤسساتي معين فإن أدائه يبقى خاضع لآليات مراقبة و تقييم فإن موقع الفرد ضمن نظم العمل غير ثابت و يتغير استناداً لهذا التقييم.

هذه التراكمات من عمليات القياس و التثبيت لفعالية الفرد ضمن أرشيفه الخاص تعزز بدورها مختلف أنواع التصنيفات الاجتماعية حول الفرد و بالتالي فإن موقع الفرد في الدولة و المجتمع هو نتيجة لفعالية ماضوية مُقاسة و مثبتة تلغي حاضره لصالح وجودها المثبت في أرشيفه الخاص, و بالتالي حاضر الفرد و تصنيفه الاجتماعي مرتبط بهذه الشبكة من عمليات القياس لفعاليته و السجلات ( العدلية, الطبية, الدراسية...الخ) المرفقة عنه من قبل مؤسسات الدولة و المؤسسات المعنية بقياس فعاليته و بمتابعة العملية التسجيلية حوله فالنظم الحضارية الحالية تراكم إخضاع الفرد لعمليات المراقبة و القياس الملزمة له بإظهار فعاليته بسياقات محددة سلفاً على مدى طويل من دورة حياته و بالنتيجة التكثيف من استهلاك فعاليته و الإكثار من التصنيفات على عدة مستويات حول واقع وجوده و واقع حياته أكثر من أي توقيت حضاري مضى.    


  • 2

  • Odai Wardeh
    كاتب مقالات سياسية و فلسفية و حاصل على جائزة وزارة الثقافة للشعر في الجمهورية العربية السورية عام 2007
   نشر في 29 يونيو 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا