لا يكون البعض مدركين حين يتركون أنفسهم فريسة للتجارب القاسية التي يمرون بها أن هذا الخطأ سوف يجعلهم يدخلون طواعية في متاهة تفقدهم طريقهم، وأنهم سيقفون هناك في حالة ثبات قد تطول لتصبح سنوات سيظلون وحدهم في وسط الزحام وقد أصبحوا بلا عنوان، تراكمت كل الأشياء من حولهم، وقد تفرع الطريق الواحد وكل فرع مالئته العقبات التي تمنع التقدم نحو الأمام، كل شيء أصبح يسير بسرعة البرق عداهم، ما زالوا هناك واقفين في مكانهم منذ أمد بعيد، تتعثر خطاهم كلما حاولوا الخروج من تلك المتاهة، فقد أتعبهم الأمر تماما، في بعض الأوقات يتملكهم الشعور باليأس جراء فشلهم في كل المحاولات السابقة التي جعلتهم محاصرين.
يظن البعض منهم أن الحياة قست عليهم، وأن حياتهم باتت موحشة، كانوا يريدون أشياء بسيطة تكفيهم لحياة هادئة، لكن روحهم التي مزقتها التجارب التي مروا بها أصبحت تقتات غذاءها المفقود من نبض الحياة المتباطئ حتى يكاد صدرهم يختنق من صعوبة التنفس وقد أرهقوا عقلهم في السباحة داخل الضباب الكثيف الذي يحجب رؤية الواقع من خلف ستار لحلم جميل يخدعهم حين تشبثوا به كأطفال صغار، أم هم من خدعوا أنفسهم حين عجزوا عن تحقيق ذلك الحلم، فالخوف من الشعور بالفشل يفتح باب المتاهة على مصراعيه.
لم يكونوا يعلمون من البداية هل كان دخولهم في تلك المتاهة كان اختيارا أم أنه القدر الذي أدخلهم إياها، دون وعي انطلقوا يعدون في ذلك الاتجاه دون أن يدركوا هل لديهم القدرة على تحمل التقدم أكثر في هذا الطريق أم لا، هل سيصلون إلى غايتهم أم لا، وأن خوضهم لهذه التجربة سوف تفيدهم فيخرجون منها أقوى من ذي قبل أم لا، قلة من الأشخاص الذين يخرجون من تلك المتاهة مدركين أنهم قد حصلوا على ميلاد جديد، وأنهم برغم التجربة الموجعة التي مروا بها استطاعوا رؤية الطريق في وسط الزحام، نعم القليل منهم من يصل إلى وجهته والبعض يضيع داخل المتاهة يقضي عمره كله يبحث عن طريق الخروج لكن للأسف بلا جدوى.