كتب: مهاب أسامه

  قال الدكتور مصطفى محمود رحمة الله عليه في إحدى حلقات البرنامج الشهير العلم و الإيمان، أفضل ما تهبه في حياتك: العفو عن عدوك والصبر علي خصمك والإخلاص لصديقك والقدوة الحسنة لطفلك والإحسان لوالديك والاحترام لنفسك والمحبة لجميع الناس و الرحمة أعمق من الحب وأصفى وأطهر  فيها الحب وفيها التضحية وفيها إنكار الذات وفيها التسامح وفيها العطف وفيها العفو وفيها الكرم  وكلنا قادرون على الحب بحكم الجبلة البشرية وقليل منا هم القادرون على الرحمة و العفو.

إتصل بي في الأمس صديق يحدثني عن مجموعة من الناس الطيبين كان بيني و بينهم شراكة عمل وأنهم لا يذكرون إسمي بالخير بل بسوء عجيب، تعرضت خلال فترة العمل لنوع شخصي من الظروف القاسية على المستوى المادي و المعنوي و الصحي مما تسبب لي بخلاف كبير معهم وسوء فهم و قرروا جميعا الرحيل و المغادرة و بحكم حالتي فلم أكن أمتلك كثيراً من الطاقة لإحتواء الموقف و الهدوء و إنتهى الأمر و الهدف بشكل مأساوي دون مبالغة.  

 بعد فترة طويله جدا مما قد حدث قررت أن أمضي قُدما في طريقي و غاياتي في هذه الحياة دون الإلفات إلى الماضي أو مستهليكات الحياة و قطعت عهدا أمام الله ثم نفسي أن لا أذكر  أحداً منهم أو غيرهم بسوء و أن ما حدث قد حدث و الله الموفق.

حينما ترى الذين يتحدثون في كتاباتهم و منشوراته كثيراً عن مدى عفوهم و جمال العفو و المسامحة و مدى طهارة و نقاء قلوبهم و أنهم الأولياء الصالحون دون بقية الناس فهؤلاء لم يعرفوا معنى العفو مطلقاً بل هم مجرد ناسخون مقلدون لا أصول لهم بأصل العفو.

العفو مثله مثل الدين و القانون و المبادئ لا يتجزأ أبدا فإما أن يؤخذ كله أو يترك كله يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه: اللهم اقدرني على من ظلمني لأجعل عفوي عنه شكراً لك على مقدرتي عليه، حتى العفو عن العدو مشروط بصحة عفوك عنه رغم الظلم و العداوة.

نحن لا نسامح لأجل البشر و لا نحتاج أن نسير وسط الناس نخبرهم بعفونا فالعفو فعل و الأفعال أبقى و أدل من الكلام و الصور و المشاعر، العفو أعمق من الحب و أحب من العطف بشرط صحته و أنه من القلب صاحبة عفى عما سلف و أبرأ ذمةً أمام الله، العفو ليس لفلان دون علان ولا لتلك الفئة دون هذه العفو واحد لا يتجزأ.

علموا عقولكم و قلوبكم العفو قبل كتابتها و التفاخر و التباهي بها أمام الجميع و تالله أن فلان لو كان يعرف معنى العفو حقاً لما نطق متباهياً بعفوه أمام الناس بل إستكفى بفعله فقط، تعلموا معنى العفو أولا و تحدثوا عنه.