لطالما آمنت أن كل ما يخرج من الإنسان نفاية ،إذا تبولت .. إذا تعرقت .. إذا نزفت .. إذا بصقت .. أو إذا تنفست ،تلك الاهتزازات الصوتية التي تخرج من فيك إذا تحدثت هي كذلك نفاية. إذا صمت اللسان تحدث القلب ،ويمكنك أن تكذب بلسانك لكن لا يمكنك أن تكذب بقلبك ،ومن هنا بدأت لعنة الكلام.
الكلام لعنة لأن بحضوره ينصرف الصفاء الذهني والإبداع والتأمل .. لعنة لأنه يودي بصاحبه إلى التهلكة دون سابق إنذار ودون صد أو رد .. ولعنة لأنه خالد مع الزمان.
والغريب أن تأثير الكلام رغم سهولته أكبر من تأثير القتل والسرقة والزنا وخطايا أخرى فجميعها جعل الله كفارة ذنوبها في الدنيا وشرع قصاصها في الدنيا فالسارق تقطع يده والقاتل يقتل والزاني يرجم ،أما جرائم الكلام لا كفارة لها في الدنيا وقد أرجأ الله عذابها وحفظه لنفسه في الآخرة ولا يمكن لأحد أن يعلم مدى هذا العذاب .. "وَلَعَذَابُ ٱلْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ"
وجميع لعنات الكلام تجتمع في تبييت نية تغاير ما تتحدث به كما نرى في حديث النبي (ص) عن النفاق فكذبك إذا تحدثت وغدرك بالعهد وإخلافك الوعد تجتمع في كلام يخالف نيتك.
فهو أشد من القتل إذا كان فتنة .. "وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ"
،وفي الدرك الأسفل من النار إذا كان نقاقا .. "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ"
،وإنذارا ووعيداً إذا كان شهادة زور .. "ألا وشَهادَةُ الزُّورِ"
،وفي النار إذا كان محدثة .. "كلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ"
وفي عصر التكنولوجيا وتطور وسائل الإتصالات زادت مجالات الكلام بعد التلفاز والسوشيال ميديا ،فانحصر الوجه الطيب للكلام من نشر العلم ،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وتمدد وزاد وتمادى الوجه الخبيث للكلام خبثاً من نفاق وتضليل وإسفاف وثرثرة ومغالاة وتشهير وقذف ونشر الرذائل ،كما وردت صفات جديدة على البشرية كتنشيط الخيال والعالم الإفتراضي وقضى الإنسان بذلك على التفاعل بحواسه وصار يتفاعل من خلال الخيال. وإذا أغلقت تلك النوافذ اغتنمت لنفسك راحتها وسكينتها فإذا أردت أن تصيب العاصي بشر وترد عليه كيده اجتنبه.
لا يمكنك أن تتنازل عن الكلام كأداة للتواصل مع البشر لكن يمكنك أن تعالج هذا الأمر بأن تضبط سلوكك ففي الأصل واجب علينا أن نتحدث بحساب وعند الضرورة كما قال النبي (ص) "مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ".
بقلم/ عاصم بهادر
-
عاصم بهادرالكتابة عندي أمانة أولاً بأن أبلغ أفكاري التي أؤمن بها إيماني بالله ،ثانياً أن أراعي الله في كل كلمة تصل من قلبي إلى عقل القارئ لتؤثر فيه فتكون كلمتي في طريق الحق منبراً يهديه لا مقبرة تقصيه.