المواطن (س) هو الإبن السادس .. أنجبه والداه إحتياطا للخمسة الذين سبقوه .. وُضع يوم ولادته على بلاط المستشفى إحتياطا لرُضّع آخرين يشغلون كامل الأسِرّة .. ولمّا دخل المدرسة لم تُفارقه لعنة الإحتياط فجلس في طاولة بين تلميذين إحتياطا لحين أن يغيّر أحدهم المدرسة .. أمّا عندما كان يحاول اللعب في الحي مع أقرانه بالكرة فكانوا يجلسونه إحتياطا إلى أن يُصاب حارس المرمى البدين بالسأم أو الجوع فيغادر ليحلّ محلّه حينئذ.. كبُر قليلا وتعلّم كثيرا وحتى ما تعلّمه لم يكن ليخلو من الإحتياط فدرس إحتياطي النفط وإحتياطي الصرف وحتّى إحتياطي العنوسة .. كبُر أكثر واستُدعي إلى الخدمة الوطنية فلبّى النداء فورا والتحق لكن برتبة جندي إحتياطي .. عندما أتمّ خدمته العسكرية قرّر خِطبة فتاة أحلامه لكنّها صارحته أنه إحتياط خاصة أنه بلا وظيفة .. وعلى أيّة حال إن لم يتقدّم حبيبها الأول فسيُستدعى فورا لتقديم قرابين الخِطبة وإتمام إجراءاتها .. شارك في مسابقة التعليم الإبتدائي ليُثبت لفتاته أنّه قادر على تحمّل المسؤولية ولكن رقمه .. في الإحتياط طبعا، بعيد جدا عن المركز الأوّل وقريب جدا من عنوان رواية جورج أورويل الشهيرة (1984) فقرّر حينها الهجرة غير الشرعية من الوطن .. لم يجد غير قارب مملوء عن آخره بشباب فقدوا الأمل مثله وأكثر .. ولأنه لم يجد له مكانا بينهم عليه أن يتحمّل سخونة المحرّك لأنه سيجلس فوقه إحتياطا .. في وسط البحر الهائج ووسط الأمواج العاتية بدأ القارب يهتزّ يمنة ويسرة في حركة مخيفة .. نظر الجميع إليه ففهم الأمر .. ولأنّ القارب غارق لا محالة .. وقف وكان قد قرّر أن يكون المُبادر الأول .. على الأقل سيموت أوّلا لا إحتياطا كالمعتاد.. نطّ في الماء واختفى في أعماقه.. وما هي إلا ثوان بعد أن قفز في البحر ولسوء حظّه وحُسن حظّ البقيّة.. هدأ البحر وعاد القارب إلى اتزّانه .. بعد أن وصل رفقاء رحلته الضفّة الأخرى علم أهله ما حلّ به .. ولأنهم لم يجدوا جثّته دفنوا صندوقا فارغا إحتياطا ..
المسكين وُلد احتياطا، وعاش ودُفن احتياطا .. ولأنهم اختلفوا حتّى في هل مات شهيدا أم منتحرا وهل يجوز الترحّم عليه أم لا فقد كتبوا على شاهد قبره :
"هنا يرقد المواطن (س) يرحمه الله تعالى إحتياطا"
التعليقات
موجع، عبرت و أجزت