الخوف من المجهول ؛ من شيء لا نعرفه ؛ من مستقبل يطرق الأبواب ؛ الخوف من المصير ؛ القلق الانساني المستمر ؛ سنصبح بلا وطن ؛ سنصبح بلا ملجأ ؛ سنُكْتَب في التاريخ أننا جيل البؤس ؛ جيل الغضب ؛ جيل الغضب ؛ جيل الثورة الفاشلة ؛ الجيل الذي خاف من المستقبل فبقي متمسكا بماض هش ؛ يعيش على قصص أبطال لم يعرفهم ؛ نحن جيل النكسات ...
كتبت هاته الكلمات و جلست تعيد قراءتها ؛ متسائلة عن المصير الحقيقي ... ريح خفيفة تداعب خصلات شعرها المجعد ؛ ترفع احدى رجليها على الكرسي بينما الأخرى بقيت نصف موضوعة على الأرض الباردة ؛ تحرك رأسها يمينا و يسارا ؛ تبحث عن شيء ما ؛ تتحسس بسبابتها الندبة على رسغها ؛ هاته الندبة تركت جرحا أكبر مما سبقتها ؛ تُرْجع رأسها الى الوراء و ترجع بذاكرتها الى الشهر الماضي ؛ لا تتذكر الكثير عن ذلك اليوم سوى رجوعها من الجامعة ؛ دخولها غرفتها ؛ اخراج الشفرة التي اشترتها ؛ اشعالها لسيجارة ؛ انتهاء السيجارة ؛ الاستلقاء ؛ اغماض عينيها ؛ و البرودة في أطرافها ؛ صراخ أمها ؛ أخذها للمستشفى ؛ الطبيب النفسي و المحاضرات الفارغة و مجددا وقوفها امام اللاشعور ؛ نسيانها الوقت و المكان ؛ و مجددا وجدت نفسها تبحث عن أجوبة ....
لم تكن يوما فتاة عادية ؛ و لم تكن يوما فتاة محبوبة ... كانت القبيحة في نظرهم ؛ ملابسها غير متناسقة ؛ مضطربة دائما ... تقف امام المرآة كل يوم و تلعن الوجه القبيح و الحظ السيء ؛ الحياة الظالمة و تلعن بشدة جميع البشر .
كان الأمر موجعا حتى و ان لم تظهر ذلك ؛ أما لهم فكان عاديا ؛ كأنها لم تكن يوما شخصا ما ؛ أو حتى شيئا ما .
تحمل قلمها مجددا ؛ تقلب صفحة كراسها الذي كاد ان ينتهي ؛ تبدأ بكتابة نص جديد ؛ و رغم علمها التام انها لن تنهي هذا النص كغيره من النصوص العشرين السابقة :
( الى عزيزي المجهول ؛ الى المستقبل الذي لم أعد أخاف منه ؛ الى الشيء الذي لا اعرفه رغم أنه قريب مني ؛ أنا أحييك ... أما بعد :
لا أظن أن بامكاني النجاة مجددا ؛ كما تعلم يداي مليئتان بالندوب ؛ و قلبي لم يعد يستطيع التحمل ... اكتفيت من همسات الناس كلما مررت بهم ؛ لم اجد أحدا يمكنه فهمي ؛ لم اجد أحدا ينزع عني قناع الشجاعة الذي أرتديه و يحتويني ... أم تقلق علي بشدة و هي الوحيدة التي تفعل هذا ؛ هي الوحيدة التي أخاف انكسارها ؛ هي الوحيدة الصادقة معي ؛ و طبيبي النفسي الأحمق يظن ان الأمر سيزول بسهولة ... ببساطة أنا هشة و لا أعرف أحدا كميلينا أو كنفاني ؛ انا هشة و حان وقت رمي الشظايا المنكسرة بعيدا ...
الريح تناديني و النجوم تبتسم لي ؛ القمر أجمل اليوم ؛ انه اليوم المثالي ألا تظن هذا ؟؟
ربما ... ربما في حياة أخرى سأواجهك ؛ لكن الآن و في هاته الحياة انت الفائز و أنا الخائفة ...)
وضعت قلمها جانبا ؛ أغلقت كراسها و ابتسمت ...
وقفت أمام المرآة مرة أخرى ؛ سرحت شعرها و وضعي مكياجا خفيفا يليق بها ؛ تعطرت ؛ و ودعت الوجه القبيح .
الليل هادئ ؛ الريح خفيفة ؛ اختلطت عليها الروائح فجأة ؛ رائحة التراب و القرفة ؛ رائحة جدتها و الورد الذي كان ينمو تحت عمارتهم ؛ مرت عليها الروائح بسرعة و سببت لها نشوة خفيفة .
للحظة قصيرة ظنت أن القمر يناديها ؛ كل أرواح المتمردين ينادونها ؛ تطالبها أن تكون شجاعة لمرة واحدة في حياتها ؛ أحست أنها تحمل مسؤولية أكبر مما توقعت فظلت تردد : ( أنا أستطيع فعلها ...)
نظرت الى الأسفل ؛ لطالما أخبرتها أمها أن تبتعد عن حافة النافذة ؛ اقتربت أكثر اليوم ؛ الرِجْل الأولى ثم الثانية ؛ شهيق و زفير ؛ النظر الى السماء ؛ مخاطبة القمر و النجوم ؛ كل شيء يبدو مثاليا ؛ كل الأشياء تستعد لها ؛ افلات و سقوط من الهاوية ....
بعض الدماء البشرية لن تغير من واقع تراجيدي ؛ الكون لا يزال باردا ؛ الناس لا تزال باردة ...
تركت نافذة مفتوحة ؛ الريح لا يزال يداعب الستارة ؛ القمر توارى وراء مجموعة سحب ؛ النجوم انسحبت ... تركت ورائها العديد من الأجوبة التي تحتاج الى أسئلة ؛ الكثير من الدم و الدمع ... من الحيرة و الحسرة ... من الغضب و العتاب ... الكثير من المشاعر التي عاشتها و لم يهتم لها احد .
بقيت كتاباتها غير منتهية ؛ بقيت خزانتها تحمل بعض ملابسها الغير متناسقة ؛ بقي عطرها في أرجاء المنزل ؛ غرفتها لا تزال دافئة ؛ قلمها لم يستعمله أي أحد منذ رحيلها ... بقي كل شيء كما كان الا انها لم تعد هنا ... تركت كل شيء و رحلت ؛ توارت خلف القمر ... و مع النجوم .
ملاحظة : الرسمة لصديقة لي.
-
fairouzمرحبا ؛ أنا فيروز في العقد الثاني من عمري ؛ أدرس اللغة العربية و أدابها ...كاتبة مبتدئة أحاول ترك بصمتي في كل شيء....