هل كان سلف الأمة فقهاء السلطان ؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

هل كان سلف الأمة فقهاء السلطان ؟

  نشر في 21 يناير 2016 .

عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أناسا من أمتي سيتفقهون في الدين، ويقرؤون القرآن، ويقولون نأتي الأمراء، فنصيب من دنياهم، ونعتزلهم بديننا ولا يكون ذلك كما لا يجتني من القتاد إلا الشوك، كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا .

قال لى : أن تلك الفتوى الروتينية التى تصدر كلما قامت المعارضة بالدعوى للتظاهر او أى حراك مناهض للسلطة بتحريم الخروج على الحاكم و وصف معارضية بالمفسدون فى الارض ليست ابنه هذا العصر وانما هى أصيلة فى الفقة الاسلامى الذى كرس الاستبداد وغرس الخنوع فى قلوب الناس حتى أصبحوا يستنكرون المطالبة بالعدل و يقدسون حكامهم كوكلاء الله او قدرة الذى لا يجوز الاعتراض عليه او محاولة دفعة حتى تشكلت اسطورة الاستبداد الشرقى التى جعلت سقوط الحضارة العربية الاسلامية امراً حتمياً .

والحقيقة ان سقوط مبدأ الشورى فى اختيار الامه لحكامها الذى عبر عنه محمد بن مختار الشنقيطى بالردة السياسية التى فشل المجتمع الاسلامى فى دحرها كما دحر الردة العقائدية كان علامة فارقة بين عصر الخلفاء و عصور الملوك المتتابعين فلم يجد ابن تيميه غضاضة فى التصريح بإن عصر معاوية كان ملكاً فيه رحمه و ما تلاة كان ملكاً عضوضاً لا رشيد ولا رحيم ويقول محمد رشيد رضا فى تفسير المنار : إن هذه الأمة ما فتئت خير أمة خرجت للناس حتى تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وما تركتهما رغبة عنهما أو تهاونا بأمر الله - تعالى - بإقامتهما ، بل مكرهة باستبداد الملوك والأمراء من بني أمية ومن سار على طريقهم ممن بعدهم ، وقد كان أول أمير منهم أظهر هذه الفتنة جهرا عبد الملك بن مروان إذ قال على المنبر : " من قال لي اتق الله ضربت عنقه " فقد كانت شجرة بني مروان الخبيثة هي التي سنت في هذه الأمة سنة الاستبداد ، فما زال يعظم ويتفاقم حتى سلب الأمة أفضل مزاياها في دينها ودنياها بعد الإيمان.

ولكن الادعاء بأن الفقه السياسى الاسلامى يفرض طاعة الحاكم براً كان ام فاجراً وايا كان مصدر سلطتة فى كل ما يأمر به ظلما ام عدلاً قول باطل لم يقل بة احد يعتد به لا من القدامى ولا من المحدثين .

وان كانت الاغلبية من الفقهاء رفضوا الخروج على الحاكم الظالم فى صورة الثورة المسلحة بينما اتفق الجميع على لزوم النصح للحكام و امرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر و عدم طاعتهم فى المعاصى و عدم موافقتهم على الظلم والجور فرفضهم لأسلوب الثورة المسلحة فى التغيير لم ينفردوا به فقد رفض الفلاسفة المسيحيون من اوغسطين الى مارتن لوثر الخروج على الحكام و مناهضتهم بالقوة متذرعين بحجج عقلية ونصية متعددة من الكتاب المقدس خاصة رسالة القديس بولس الى اهل رومية التى جاء فيها (لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة لأنة ليس سلطان الا من الله والسلاطين الكائنة مرتبة من الله حتى ان من يقاوم السلطات يقاوم ترتيب الله)

وكذلك فالغالبية العظمى من الفلاسفة السياسيين العلمانين سواء كانوا يميلون الى الديمقراطية او الديكتاتورية من ميكيافيللى الى ستيورات ميل يرفضون بشكل قاطع العنف الثورى ويرونة يعيق مسيرة الاصلاح ويضع مصائر الامم فى ايدى الديماجوجيين .

كذلك فإن القول بمنع الثورة المسلحة ضد الحاكم الجائر لم يكن الا تغليباً لحكم المصلحة الراجحة حيث كان من المأسي الكبري التى وقعت جراء الصراعات السياسية ما يهون من أمر جور الحكام بازائها خاصة فى العصور الخالية حيث كان دور السلطة فى المجتمع محدود للغاية قياساً على عصرنا الذى تتدخل الدولة فية فى كافة نواحى حياة مواطنيها ولا ننسى ان انقسام امه الاسلام الى سنه وشيعة وخوارج كان جراء صراع سياسى فى الاساس ورغم ذلك فقد روى عن الكثير من الائمه خلع الحاكم الجائر ان كان ذلك مقدورا بدون اراقة دماء الابرياء وقد روى الجصاص عن الامام ابى حنيفة رايه فى قتال الحاكم الظالم وأشتهر عنه تأييده لمحمد النفس الزكية فى ثورته ضد العباسين وكذلك الامام مالك افتى بسقوط بيعه الخليفة المنصور الذى اكره الناس عليها لما قامت تلك الثورة وذكر المرداوي فى الانصاف أن من علماء الحنابلة الذين ذهبوا إلى القول بخلع الجائر ، ابن رزين ، وابن عقيل ، وابن الجوزي وذكر ابن ابي يعلى عن الامام احمد ( من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامــة ، وإن قدرتم على خلعه فافعلوا )

وفى المقابل نجد حرصا شديد من أهل العلم على تجنب أهل السلطة حرصا على حيادهم و خوفا من تأثيرهم المفسد حتى قال سفيان الثوري : إن دعوك لتقرأ عليهم ( الامراء) قل هو الله أحد، فلا تأتهم . وامثال ذلك كثير حتى صنفت كتب كاملة فى تجنب اختلاط اهل الدين باهل السلطة ككتاب الامام السيوطى (هذا ما رواه الاساطين فى عدم المجىء الى السلاطين ) مستندين فى ذلك للعديد من الاحاديث النبوية امثال ما رواه جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سيكون أمراء، من دخل عليهم وأعانهم على ظلمهم، وصدقهم بكذبهم، فليس مني ولست منه، ولن يرد علي الحوض. ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض » ,و عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان فإذا خالطوا السلطان، فقد خانوا الرسل فاحذروهم، واعتزلوهم » و عن معاذ بن جبل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا قرأ الرجل القرآن وتفقه في الدين، ثم أتى باب السلطان، تَمَلُّقاً إليه، وطمعا لما في يده، خاض بقدر خطاه في نار جهنم » .

وأخيراً فإن أختزال الفقة السياسى الاسلامى فى مسأله الموقف من الثورة على الحكام وجعل ذلك محور النقاشات حوله يمثل تعامي غير منطقى عن موقف الفقهاء من قضايا اخرى كالموقف من مسئولية الدولة ازاء مواطنيها فلا نجد من يذكر الزامهم الحكام بكفالة الحياة الكريمة لكافة المواطنين تحت سلطانهم وضمان حد الكفاية لهم فمثلاً يقول الأمام النووى فى المجموع ( قال اصحابنا فان كان عادته الاحتراف (الفقير) أعطي ما يشتري به حرفته أو آلات حرفته قلت قيمة ذلك أم كثرت ويكون قدره بحيث يحصل له من ربحه ما يفى بكفايته غالبا تقريبا ويختلف ذلك باختلاف الحرف والبلاد والأزمان والأشخاص وقرب جماعة من أصحابنا ذلك فقالوا من يبيع البقل يعطى خمسة دراهم أو عشرة ومن حرفته بيع الجوهر يعطى عشرة آلاف درهم مثلا إذا لم يتأت له الكفاية بأقل منها ومن كان تاجرا أو خبازا أو عطارا أو صرافا أعطي بنسبة ذلك ومن كان خياطا أو نجارا أو قصابا أو غيرهم من أهل الصنائع أعطي ما يشتري به الآلات التي تصلح لمثله وإن كان من أهل الضياع يعطى ما يشتري به ضيعة أو حصة في ضيعة تكفيه غلتها على الدوام قال أصحابنا فإن لم يكن محترفا ولا يحسن صنعة أصلا ولا تجارة ولا شيئا من أنواع المكاسب أعطي كفاية العمر الغالب لأمثاله في بلاده ولا يتقدر بكفاية سنة قال المتولي وغيره يعطى ما يشتري به عقارا يستغل منه كفايته قال الرافعي ومنهم من يشعر كلامه بأنه يعطى ما ينفق عينه في مدة حياته والصحيح بل الصواب هو الأول هذا الذي ذكرناه من إعطائه كفاية عمره هو المذهب الصحيح الذي قطع به العراقيون وكثيرون من الخراسانيين ونص عليه الشافعي وذكرة البغوي والغزالي وغيرهما )

بالطبع لم يكن الالتزام بالاحكام الشرعية هو السائد طوال التاريخ الاسلامى ففارق شاسع بين قول عمر بن الخطاب ( من ولى امر المسلمين فهو عبد للمسلمين يجب علية لهم ما يجب على العبد لسيدة ) وقول المنصور (إنما انا سلطان الله فى ارضه أسوسكم بتوفيقه وتأييده وحارسه على ماله أعمل فيه بمشيئته وأرادته وأعطيه بإذنه) ولكن عدم الالتزام بحكم لا يعنى انتفاء وجودة

وان كانت كل سلطة قمعية تحاول ان تثبت شرعيتها و تثبط من عزائم معارضيها متذرعه بالدين تارة و الوطنية اخرى و فزاعات اعداء الداخل والخارج سواء فى الماضى او فى الحاضر الا ان هذا هذا الضباب الذى يسترون بة الحقائق ويشوهون به التاريخ و الحاضر سرعان ما ينقشع ان نفخت فية انفاس الباحثين عن الحق .



   نشر في 21 يناير 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا