شاءت الصدف و على طريقة البوعزيزي رمز الثورة التونسية و مُطلق شرارة الربيع العربي ؛ أن تختلق التشكيلة الإجتماعية المغربية المهمشة أيقونة حراك الريف ، و رمز حادثة "الطحن" في حاوية أزبال ، التي كان جسد الشاب "محسن فكري" بائع سمك متجوّل ثلاثيني ضحية لشفطات آلياتها ، ما حفز أهل الريف على الإحتجاج بطريقة حضارية غاية في السلمية و محكمة التنظيم ، في إيطار حراك سلمي يحمل مطالب اجتماعية أجمع القاسي و الداني على مبعد شرعيتها و مبلغ معقوليتها . غير بدل أن تستجيب الحكومة لهذه المطالب سارعت إلى اعتقال قادة الحراك و تكميم أفواه المحتجين ، بل إلباس الحراك في خطوة وقحة لباس الإنفصال و الخيانة .
فل ندع أسباب الحراك الواضحة الإقتصادية و الإجتماعية ، و لننظر إلى الوراء قليلا حيث نجد حراك 20 فبراير 2011 الذي تبلور في أعقاب ما سمي آنذاك بـ"الربيع العربي" ، ما تمخض عنه باقتراح من ملك البلاد استفتاء حول دستور جديد ، فاقت نسبة المشاركة الشعبية في هذا الإستفتاء أكثر من 70% ، أعقب ذلك انتخابات برلمانية فاز فيها حزب العدالة و التنمية و هو مراد الشعب المغربي بأن يتقلد زمام الأمور هذا الحزب الذي ترفع عن الفساد في مخيال المغاربة آنئِِذٍ ، فطويت صفحة حراك 20 فبراير باستسلام الشعب . غير أن مطالبها و بنود دستورها و شروط توصياتها لم يتم تنزيلها إلى الآن ، بل طعنة التهميش و الفساد أرغت في جسد الشعب أكثر ، إذ لم تترك حكومة بنكيران شيءا يباع للشعب لم تسعر ثمنه ، كما رعبنا بسماع خبر تهريب الأموال لبنوك بنما ، زد على ذلك ديون خارجية بالمليارات ، أما لو تحدثنا أن الصحة و السكن و التعليم فالضغط الدموي للقارئ خصوصا إذا كان مغربي سيرتفع أكثر . فحتى لا يتكرر نفس غلط 20 فبراير ، نسلط الضوء على الآتي :
كيف لشعب منعدم الوعي بشتى أنواعه خصوصا السياسية ، أن يصوت على دستور 2011 و هو لم يقرئه أصلا حتى يفهمه و يتبصر مستقبل المغرب على ضوء بنوده ، أجزم أن أغلبية المغاربة في 2017 لم و لن يقرئ أبدا نص دستور 2011 و مع ذلك صوتوا عليه ايجابا . ما يعني أن الشعب احتيال على نفسه في 2011 !
كيف ثمت قولبة حزب العدالة و التنمية بعد حراك 20 فبراير في قالب مخزني و هو الحزب الذي عقد عليه الشعب آمال الخلاص و الإنعتاق ، بل و شلُّه شلاً خصوصا مع مهزلة الحكومة الجديدة التي فاز فيها هذا الحزب بالأغلبية غير أن مفاصيل الدولة أوكلت لأحزاب لم تحصل على أكثر من 10 مقاعد حكومية ، ما يدفع للتساؤل حول ما فائدة انتخابات لا يسير من فاز بها ؟
ما الذي تغير في المغرب بين 2011 و 2017 ما الفرق في المغرب قبل و بعد حكومة بنكيران ؟ أقول "لاشيء" ، ندلل موقفنا عبر إطلالة على بعض الأرقام التي تصدر عن تقارير دولية حول المغرب ، يشير تقرير البنك الدولي الأخير "المغرب في أفق 2040: الثروة اللامادية واتجاهات النمو" أن الدخل القومي الفردي يصنف من الأضعف في العالم ، إذ إن اليونان كأفقر دول أوربية تتوفر على دخل قومي يفوق ثلاث مرات المغربي ، ثانيا لم تتجاوز نسبة النمو الإقتصادي في المغرب منذ 2000 إلى الآن نسبة 3% ، و هي نفس الفترة التي بنت فيها تركيا اقتصادا تنافسيا ، نضيف أن التقارير تتحدث عن استمرار وفيات الأطفال بمعدل 24 وفاة في كل 1000 ولادة و هي نسبة كانت في دول أوربا في 1960 ، كما أن كل 4 شبان مغاربة يوجد بينهم اثنان على الأقل لا يدرسون و لا يشتغلون ، زد على ذلك تعليم في الحضيد و قطاع صحة لا يرقى للتطلعات ، أما نسبة التوفر على سيارة فـ18% فقط من المغاربة يتوفرون على سيارة (الأسر) في مقابل 30% عند الفرنسيين سنة 1960 ، هذا ناهيك عن فوارق في السعادة و العيش الكريم (مرتبة 91 من أصل 157 دولة ) . بمعنى أن المغاربة يعيشون التعاسة و البأس و الحرمان بعد و قبل حراك 2011 رغم الدستور الجديد رغم البرامج الوطنية التي تتغى تحقيق اقلاع اقتصادي و نجاعة في الحكامة ، إلا أن البلد لا يراوح مكانه تنمويا بل يرتد كل مرة للخلف ، فما السبب ؟
نذكر بأن السلطة في المغرب مبهمة الحدود ، لا نعرف أين تبدأ سلطة الملك و أين تنتهي ؟ و مثلها سلطة رئيس الحكومة و الوزراء و العُمال و مدراء الأمن الوطني و الجيش ، ما يجعل هؤلاء المتأخرين مبهمي الإختصاصات كذلك ، و هذا يفتح لهم باب الإستفادة من عدة امتيازات باستغلال سلطتهم ، لعل أشهرها مؤخرا حادثة "أراضي خدام الدولة" إذ تم تفويت أراضي لكبار المتنفدين بثمن رمزي فقط ، في الوقت الذي يقتني المغربي المهلوك بقعة بالملايين ، زد على ذلك امتيازات السفر و الصحة بل حتى الهواتف النقالة الفارهة توزع على خدام الدولة . نضيف الريع الإقتصادي و التهرب الضريبي الذي يمارسه رجال أعمال بعضهم أصبحوا وزراء ، بل رفعت الحكومة الجديدة الضريبة على أصحاب السيارات الفاخرة و أبقتها على سيارات الفقراء ، في سياسة تفقير فاحشة في حق الشعب المغربي .
نضيف استغلال الدولة للدين و مخزنة المساجد ، نصيح كذلك بأن المغرب بلد لا يربط المسؤولية بالمحاسبة بل يُقال للفاسدين و المختلسين "عفى الله عن ما سلف" ، في حين يرمى في السجن من سرق بضع الدراهم ، مع كل هذا الواقع الكئيب تُخون بعض جهات الدولة من يخرج للتنديب بمبلغ فداحته . ننبه إلى أن هذا الوقع هو مستمر منذ زمن بحيث حاول حراك 20 فبراير إصلاحه لكنه فشل بسبب قلة خبرة بل سداجة بعض قادته ، و هو ما لا نتطلع إلى تكراره مع حراك الريف . إذ يجب المطالبة بفصل السلط ، و الدعوة بوضوح لفصل الدين عن السياسة ، كما يتحتم النضال من أجل استقلال القضاء و محاكمة رؤوس الفساد و هم معروفين ، يجب المطالبة باقتسام عادل للثروة ، كما يتوجب تحديد سقف لامتيازات و معاشات خدام الدولة ، كل ذلك في إيطار نظام ملكي من أجل كل المغاربة و ليس بعضهم فقط .
أخيرا يقال أنك إذا "لم تُأصل لا تستطيع أن تُفرع" ، المشكل الأصل يوجد في شكل السياسة القائمة و ليس في من يأتي ليشتغل في إطارها كالأحزاب ، لذلك ندعوا لتجاوز رفع المطالب الصغرى كتجويد التعليم و الصحة و السكن التي تنتهي بمهادنات لا تأتي لا بتغيير و لا بتطوير ، بل يجب الدعوة إلى إصلاح النظام السياسي ككل و بعده ستصلح كل القطاعات .