في عالم المشاعر الإلكترونية , قد غرقنا ..
نشر في 25 ماي 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
غريب زمننا !! ..
أصبح التعبير عن الرضا بكبسة زر , وأصبح التعبير عن الضجر بأخر مثله , والحزن أصبحت دموعه يُمكن أن تُذرف بمنتهى السلاسة في لحظة تلك الضغطة ثم تُمحى بعدها كأن شيئاً لم يكن , التعجب أمراً بسيطاً يحدث في أقل من اللحظة وينتهي هو الأخر , والحب أصبح سلعه رخيصة تتقاذفها الضغطات وتزداد فيدل ذلك على الإعجاب الشديد فتمتلئ الحياة بالقلوب وكأنها غيثاً من السماء أفاض على صحراء جرداء فأيقظ فيها الحياة ! , فهل أنت ضائع في هذا الطريق المُزيف ؟ , هل أنت غارق في تلك البحور العميقة التي ستدفعك حتماً نحو القاع بلا أي دفاع منك عن نفسك وعن مشاعرك الصادقة ؟ , إن كنت هكذا فلابد أن تُعيد نظرك لفهم الأمور من جديد , فهو عالم حتماً سينقلك إلى عالم أخر غير الذي تحياه , عالم كل ما فيه " رهن الإشارة " ..
كم من مرة أثار فضولك موضوعاً ما على شبكات التواصل الإجتماعي ولم يهدأ لك بالاً إلا بعدما قرأته وتمعنت فيه أشد التمعن ؟ , كثيراً , وبعد أن قرأته وجدت فيه شيئاً ما يبعث لعقلك الحيوية ولروحك الصفاء , فقررت أن تُبدي إعجابك به خلف الشاشات الصغيرة التي في يدك , ووجدت أمامك ثلاث خيارات :
Like , Love , Wow ..
فأصابتك الحيرة الشديدة , ولم تتوصل للإختيار الصواب , فهل تختار الأول أم الثاني أم الثالث ؟؟ , فتُعيد القراءة من جديد فمن الممكن أن قرائتك الثانية توصلك إلى الحل الأمثل لهذا المأزق , وبعد القراءة تظل على حيرتك فتندم على مرورك على هذا الموضوع من الأساس , ولم كل هذه الحيرة , هل تستطيع مجرد رموز أن تُزيد حيرتي هكذا ؟ , فتلجئ لأبسط الحلول , ضغطة بسيطة على الدائرة الزرقاء التي تُشير إلى التأييد لما تراه أو ما قرأته , فهو منفذ كل عقل حائر في ظل كل هذه الرموز التي تجعل عقلك في إضطراب مُستمر حيال الإختيار المناسب في كل مرة ..
كم من مرة رأيتي صورة لإحدى صديقاتك المقربات وأثارت في قلبك الإعجاب الشديد ؟ , بل ووجدتي قلبك يزداد نبضه من شده إعجابك بها وبجمالها الآخاذ , وخلفية الصورة المُدهشة وجودة الكاميرا المُلتقطة للصورة الفوق الرائعة , كثيراً وأعتقد منذ لحظات بسيطة رأيتي صورة كهذه قبيل قرائتك لكلماتي , ولكن هل أصابتك الحيرة أيضاً كما أصاب الكثير قبلك ؟ , هل وجدتي صعوبة في الإختيار بين : Like , Love , Wow ؟ , حتماً نفس الإضطراب ونفس الحيرة وتبعها نفس الضجر , فــ تتسألي في قرارة نفسك :
ماذا سأختار ؟ , هي أعجبتني فأختار الأولى .. ولكنها داعبت نبضات قلبي فأختار الثانية ! , لالا إنها تعدت مراحل وحدود الروعة فأختار الثالثة ! , ماذا عساي أن أفعل الآن ؟! , حسناً سأختار الثانية فـ بها شيئاً من التعبير عن إعجابي العالي أيضاً ولا بأس بها .. " مجرد مُبرر للهروب من هذا المأزق , فإن إستمرت على حيرتها لن تنتهي إلا بعدما يمر على نشر الصورة ذكراها السنوية !! "
كم من مرة وجدت من يُعلن وفاة أحد أفراد أسرة زميلة بالجامعة , فوجدت يدك تُسرع تلقائياً إلى : Sad , ذلك الرمز " الغريب " الذي يُمكنه أن يسكب من الدموع أقصاها وأنت خلف الشاشة تتناول عشاؤك وتُشاهد إحدى المسرحيات الكوميدية دون أن ينتفض في قلبك أي شعور تجاه هذه المأساة ! , ولكن حتى تضع رأسك على وسادتك بعد العشاء وضميرك مرتاح حياله فتقوم بما يُسمى بـ " تأدية الواجب " حتى وإن لم تعرف هوية المُتوفي تضغط عليه فتبعث له برسالة خفية لم تُكتب محتواها : عزيزي , شد حيلك , لقد حزنت كثيراً وهذا هو الدليل " وجهاً يبكي " .. هو نفسه الوجه الذي يضحك بجواره وتضغط عليه بعد قرائتك لنكتة أو ما يُثير سُخريتك " !! .. أو تغضب حيال خبر لم يكن في الحُسبان فتبدأ بالتعبير عن غضبك بــ " Angry "وبعد لحظات معدودة تعود إلى التسامر مع الأصدقاء في المقهى ..
والغريب أن بهذه الرموز البسيطة يُمكن أن يضيع الود , وتنقطع علاقات لطالما كانت متمساكة , فكيف لصديق عمري ألا يُبدي لي إعجابه على منشوري أو يضع لي قليلاً من كلمات التعازي مُرفقه برمز الحزن ؟ , هل رأيت من مُدمر كهذه الرموز لعلاقاتنا الإنسانية ؟! ..
هل رأيت هذا ؟ , إنه العالم الذي لطالما تمنيت أن أعلم سبب تقييدنا به والغريب أن قيودنا تلك نحن من صنعها بكامل إرادتنا , بمجرد ضغطة يمكنك التعبير عما تشعر به أو قل عما تشعر به من مشاعر " إلكترونية " , أحياناً كثيرة لا تمت لك بأي صِلة ولا تُعبر عما يدور داخلك حقاً , إحذر فهو تياراً جارفاً , ولن تستطيع التخلص منه طالما تدخله يومياً أو بمعنى أصح تدخله لحظياً بمحض إرادتك , تُقلب و" تلف وتدور " وتبحث عن مكان لتضع فيه من المشاعر أزيفها , ومن الأحاسيس ما لا تحس به , حينما يتملك منك السأم والملل يكون هو مقصدك الوحيد للنجاة من بحور " الزهق " ..
هو مجرد ضغطة , منها تأدية واجب أو تحصيل حاصل , لا يفرق في وجودك شيئاً ولا يُعرقل مسيرك خلال تلك الصفحات الإلكترونية , فإن لم تضغط فلن تفنى ولن تنقضي مثلاً , لن يُقال عليك جاهلاً بتطورات التكنولوجيا الحديثة , لن يُقام عليك الحد ولن تُسجن في سجن مؤبد عقاباً عما تفعله في حق نفسك وحق ناشر المنشور , هو مجرد إختيار , والإختيار ليس إجبار , فما الذي يُجبرك على التعبير عن شعور جامد لا تدب فيه الحياة ؟ ..
كن " واعياً " حتى لا تصبح مجرد أداة في عالم إفتراضي ! ..
إجعل مشاعرك حقيقة ولا تنسى وتتغافل عن إنسانيتك , إن شعرت بالحزن حيال أمراً ما عبر عنه كما يجب أن تُعبر , بدموع حقيقة وليست قطرات لا تُلمس تتساقط خلف شاشات مُضيئة , وليس بمجرد رمز لا يدل على ما أنت عليه حقاً , إن شعرت بالغضب فلتغضب , ولكن لا تجعل من غضبك مجرد رمز تضغط عليه بين الحين والأخر , إن شعرت بالدهشة إندهش وزد من إندهاشك ولا تجعله يمر مرور الكرام , فخلف الإندهاش تتضح الغوامض وينجلي عن أسرارها ما كان يُخفيها , حب وأجعل نبضات قلبك تفيض على البشرية بكل معاني الجمال والحياة ولكن لا تختصر الحب في مجرد قلب أبيض يرتسم على خلفية حمراء , هي لم تكن مجرد رموز بل هي إختبار للإنسانية , فهل من مُحافظ عليها مهما بلغنا من التقدم التكنولوجي أقصاه ؟ ..
التعليقات
للأسف لقد أخذت هذه الوجوه الصفراء البغيضة emojis أكبر من حجمها , حتى صارت المشاكل تحدث بسببها , فنجد فتاة تتشاجر مع خطيبها لأنه وضع Love على صورة صديقة لها و هذا بالتأكيد يعني أنه معجب بها ! و نجد من يتشاجر مع صديقه لأنه دائماً ما يضع Haha على كل صوره و هو ما يعني أنه يسخر منه ! و بالطبع إذا تخاصم اثنان فإنهما يتوقفان عن عمل Like لبوستات بعضهما البعض من باب المقاطعة . و اذا ما تحدّثت مع صديق بدون وضع هذه الـ emojis يظن أنك غاضب منه .
هذه الوجوه البغضية تقتل المشاعر , فكم من مرة تتحدّث مع شخص بحماسة ثم يأتيك الرد بوجه أصفر سمج يقتل ذلك الحماس بداخلك .
أبدعتِ , و بالتوفيق في مقالاتك القادمة .