مع الوقت نتعلم أن نكون أشحاء. أشحاء في العطاء و الحب. نعطي قليلا جدا من كل ما نملك، من مشاعرنا من أشيائنا، من المساحة التي نخصصها للأشخاص و الذكريات و المستقبل. و كأننا نعلن من البداية أنها أماكن للاستبدال و الإفراغ، لا للإبقاء. أو ربما، ربما ببساطة أكثر لم يعد في تجاويفنا ذخيرة للعطاء، لأن مخزوننا قد استنفذناه في أشياء واهمة ذات يوم. تفضحنا برودتنا في التعامل مع الحياة، ما كان الأمس يهيج القلب اشتياقا للأفق لم يعد، هي أيام تساوت بين الشح و الانطفاء. تفضحنا نظرتنا الباهتة للأشياء. الطفل الذي يبكي في الركن لا نملك الوقت كي نمسح دموعه، و العجوز الذي نمر أمام بيته لا نربت على كتفه، و هواتفنا و إن زاحمنا فيها كثيرا من الأرقام نبخل في الاتصال بمن نحب. تفضحنا وقفتنا المنحنية أحيانا و نحن ساهون نفكر في اللاشيء، و تخبر عوضا عنا أن الفراغ قد أكل أرواحنا، و أننا نحرك أجسادا فارغة من الحياة لولا رحمة الله بنا. مع الوقت تعلمنا أن نكون أشحاء، لأن الزمن تغير، و النية السليمة حل محلها التوجس و الشكوك، و لأن لا أحدا يدق باب قلب الآخر كي يسأله حقيقة هل أنت بخير؟ ثم ينصت لهموم تختفي وراء ظل الإجابة دون فضيحة أو تحريف. مع الوقت نتعلم أن نكون أشحاء في الصبر، نرمي من شرفات قلوبنا كل شيء دون التفاتة لأننا لا نملك القوة كي نصلحه، نخرب أجمل العلاقات لأننا لا نملك القوة كي ننتظر. نفضل الجاهز، نفضل السهل، نفضل أن ننظر إلى ما يملكه الآخر، على أن نتجاوز عوائق أنفسنا لنصبح ما نريد. مع الوقت تغيرنا كثيرا و غيرنا قناعاتنا كي نواكب السير مع الحضارة، بالرغم من أن السير متعب. و لو أننا عدنا إلى البساطة، إلى القيم، إلى الدين، إلى الابتسامة، إلى تجديد النية و القلوب و العطاء و الحب، لكنا أفضل بكثير. باختصار مع الوقت أصبحنا كل شيء إلا نحن !
نهيلة أفرج
-
Nouhaila Afrejأستاذة و كاتبة مغربية