في التسعينيات من القرن الماضي، في يوم ما مشمس إستقبلني في مكتبه ديبلوماسي إيطالي بسفارة إيطاليا بالجزائر، هذا و السفارة موجودة في بقعة مخضرة في أعالي عاصمتنا.

دار حديث بيننا حول أوضاع العالم العربي الإسلامي و كيف أن فساد الأنظمة أدي بنا إلي الإنحطاط، فلاحظ لي الديبلوماسي الإيطالي :

-سيدة عنيبة مكمن إنحطاطكم، تخليكم عن قيمكم و التي هي الوصايا العشر بالنسبة لنا نحن أهل الكتاب.

وافقته، فالذي يحكم الفرد المسلم الأهواء و ليس ما تعلمه صغيرا في مدرسة قرآنية أو ما سمعه و هو جالس إلي جنب أبيه من خطيب صلاة الجمعة.

و في حوار أجريته لديبلوماسي أمريكي رفيع المستوي في أبريل 1997 بسفارة أمريكا بالجزائر و كان الحوار خاص قمت به لغرض التوثيق لمجموعة قصصية إستشرافية لم ستكون عليه فلسطين في 2040، إستقبلني في حديقة سفارة الولايات المتحدة المريكية ببلدي و أجاب عن سؤالي :

-سيدي، ألا تري بأن الهيمنة الغربية و علي وجه الخصوص الأمريكية علي شؤون العالم العربي مقلقة للغاية ؟

إبتسم، سكت هنيهات ثم رد بصوت هاديء، و جاد:

- في اللحظة التي ستقومون بإحياء قيمكم و تعملوا علي النهضة الحضارية لعالمكم ستنتهي تبعيتكم لواشنطن و ستصبحون سادة و نضطر حينها لاحترام استقلاليتكم و التعامل معكم وفق المعطيات الجديدة التي تكونوا قد فرضتموها علينا في أرض الواقع.

نحن نميت قيمنا إرضاءا لأهواءنا لا أكثر و لا أقل، نستثقل طاعة الله، نري في جهاد النفس الأمارة بالسوء أمرا شاقا  لا نقوي عليه، أو لنقل بتعبير أصح أننا نوهم أنفسنا هكذا.

أحيانا عندما أستحضر رحلة سيد الخلق محمد إبن عبد الله صلي الله عليه و علي آله و سلم أشعر بألم غير قابل للوصف.

هل يعقل أن رسول الحق عليه أفضل الصلاة و السلام و قبله أكثر من إحدي عشر ألف نبي و رسول عليهم الصلاة و السلام بذلوا ما بذلوا من تضحيات، ليأتي قوم في القرن الثالث عشر و الرابع عشر هجري يصفون أنفسهم بالمسلمين و كل من يتعامل معهم ينكر عليهم ذلك لسبب بسيط : أنهم لا يمتون للإسلام بصلة لإنحطاط اخلاقهم و لأنهم يحتكمون إلي أهواءهم.

قلت مرة لموظفة سامية في سفارة أمريكا بالجزائر "بت أخجل من كوني مسلمة" و هذا بعد ما سردت لي حالة أحد مواطنينا يدعي التدين بينما أثبتت عليه المصالح القنصلية الأمريكية جريمة الكذب.

نحن نريد نظام حكم عادل و نحتج علي فساد أنظمتنا، هلا حاسبنا أنفسنا أولا ؟ هلا قمنا بجرد صادق لذنوبنا و معاصينا و كبائرنا و جلسنا علي سجادة الصلاة بين أيدي الله لننوي بصدق التوبة و لنستفيق من أكذوبة سقوط الأنظمة الفاسدة هكذا لمجرد ان نتظاهر بذلك في الشوارع، متي نفهم أن تلك الأنظمة المستبدة ستنهار بمجرد أن نغير ما بأنفسنا صدقا و ليس بهتانا ؟ متي ندرك أن الله يتسامح مع المذنب الذي يتوب توبة نصوح بحيث لا يرجع إلي ذنبه و يتوسل منه في كل مرة أن يثبته علي طاعته و أن يعينه علي التعامل مع دار العبور بزهد رسول الحق الذي لم يشبع بطنه و لم ينم علي وسادة فاخرة و أمطر جسده الطاهر بحجارة أهل الطائف ؟

متي نعي أن هذه الدنيا إلي زوال و أن كل ما فيها لا يساوي جناح بعوضة ؟

متي نعي أن إنحطاطنا كان السبب في موت آلاف و ملايين من الناس علي غير ديننا لأنهم عاشوا و ماتوا علي اللادين و عوض أن نهديهم إلي الدين القويم زدناهم كفرا به.