مما يشد انتباهي ويثير تساؤلاتي كل مرة أشاهد فيها أفلاما وثائقية عن جامعات بدول متقدمة في العلم ، أن الأصل في الطلبة أنهم لا يتقنون إلا لغتهم ويستثنى منهم بعض المجتهدين والذين يحاورون صاحب البرنامج بلغة إنجليزية متكسرة هيمن الخلل في تركيبها، باعتبارها اللغة العالمية ولغة المثقفين ويقال لغة العلم في زماننا.

جعلني هذا أعلم علم اليقين بعدما أدركت ذلك من قبل أنه لا تقدم إلا ببناء العلم بلغة القوم .

أما الأسباب التي جعلتني أدرك ذلك ، أولا نصف عام قضيته بالمدرسة العليا للتكنلوجيا بشعبة الهندسة الصناعية ، صارت فيها كل العلوم باللغة الفرنسية ، هنا تعرفت على طلبة أذكياء ، لا يحول بينهم وبين حلاوة حل المعادلات الرياضية إلا معرفة المطلوب منهم والذي كان بلغة قد ظلموا في النهل من أساسها وقواعدها ، فكان المجهود لديهم مضاعفا ، و أحيانا يعرفون المطلوب إذا فقد معطى من المعطيات واجب حضوره بالمعادلة ، فيصلون إلى النتيجة وتغيب عنهم فلسفة العلم التي لا يعبر عنها إلا بكلمات ، فيتخرج مهندسون مبرمجون لحساب معطيات تعطى لهم ويراجعون لكن لا إنتاج لهم .

اللقطة الثانية كانت بكلية العلوم وأنا جالس بقاعة المطالعة قرب طلبة متحلقين يتدارسون يتوسطهم طالب يشرح ، ولا أفهم مما يقول إلا كلمات علمية يذكرونها بضع مرات فقط ، لأنهم يتحثون بأمازيغية غير التي أعرف ، فمصطلحات العلم يعرفونها ، وأسماء النظريات و الذوات المدروسة يحفظونها ، لكن ما العلاقات التي تربطها؟ قد شرحها الأستاذ بغير ما يفهمون ، فحرموا من العلم لولا أن رزقهم الله بطالب أوفر حظا منهم .

اللقطة الثالثة أن كل أقراني الذين عزموا لإكمال دراستهم بالخارج يتعلمون لغة تلك البلاد ، أوليس اللغة الإنجليزية تربط بين كل الدول؟؟ بلى ولكن للتواصل فقط والتبادل أما التأسيس و البناء في الدول المتقدمة وهو التعليم فيكون باللغة الأم  ،وفي ألماني بالألمانية وفي روسيا بالروسية وفي اليابان باليابانية وهكذا دواليك ....

لماذا ؟ 

أولا عندما يكون العلم بلغة القوم يستطيع الجميع تعلمه ، وهكذا يرتفع مستوى ذلك العلم ، فبدل أن ينحصر تعلم الطب والهندسة عمن يتقنون الفرنسية أو الإنجليزية ، سيفتح الباب للجميع ، آنذاك يمكن أن يتخرج أطباء يقومون بعملهم فقط وأطباء ذوي همم عالية يبحثون ويأتوننا بما سبقتنا به الدول المتقدمة، حتى إذا أتوا بكل ما عندهم صار عندنا الإمكانيات البشرية لإتمام بناء هذا العلم بلغتنا فننفصل عن باقي الدول ونصبح من المنتجين ، عكس واقعنا الآن الذي نرى فيه أن الفئة الأولى هي التي تقوم بكل شيئ، تكافح لإنقاذ الناس كما تحاول الاجتهاد في الإتيان بكل ما جد في هذا العلم، وطبعا إذا كثر الأطباء والمهندسون و... سينقص أجرهم وهذا من التضحيات لكي ننتج شيئا يعوضنا كل هذا.

ثانيا كل أصحاب التخصصات الأخرى يمكنهم الاطلاع على علم الآخر ، مثلا بصفتي طالب علوم شرعية يحق لي أن أتثقف بالاطلاع على علوم أخرى ، وبصفتي متخرج من الثانوي تخصص علوم فيزيائية يحق لي أن أطلع على نظريات  تدرس في الكلية عندما يرجع بي الحنين إلى توجهي السابق .

فما رأيكم أنتم؟؟