لستُ مريضاً يا أمي .. لستُ بائساً أو محبطاً .. صوتي تغير قليلاً من قلة الكلام فقط .. لا عليكِ. قلة الكلام أفقدتني القدرة على التحكم في نبرة الصوت قليلاً .. الهاتف المغلق والعمل المتواصل باب خروج من أشياء لو تركتُ نفسي لها تلتهمني .. لستُ مريضاً يا أمي .. أطمئني ؛ كل ما في الأمر أن كل ما حولي يُصيبني بالحزن والقرف فأطوي نفسي على عملي لأقتل كل الوقت .. كل الوقت. كل شيء في هذا البلد يصيبني بالقرف ويزداد حُبي لها وخوفي عليها بقدر الرتابة والتكرار وتشابه الأحداث فيها .. وبقدر الجثث .. تعرفين يا أمي أن كل الكلام مكرّر ، ولون الدم لم يتغير ، وشكل المقتول هوَ هوَ مُلقى على الأرض ورأسه مائله على كتفه وعيناه شاردتان أعلى اليسار والقميص بلون الدم ولا أحد يعبأ لجثتة غير مصممي الصور بخلفيات سوداء لرفعها على الفيس بوك دقائق ويتغير الموضوع .. الجثة عندنا مجرد صورة .. حتى من توهمت فيهم خيراً رأيتهم يشمتون في قتلى لمجرد أنهم ليسوا منهم وأراهم والإنسانية ملأتهم عندما يموت منهم واحد أو يقتل على يدِ الخصم .. أصبحنا نفرق في ضمائر اللغة بيننا وبينهم يا أمي .. صرنا كمن يأكل جثث الكلاب ويقول أنها لذيذة جداً ليغيظ بها الشامتين .. إنحدرنا للقاع بمراحل .. ما فائدة صب اللعنات عليهم وهم لا يبالون على الإطلاق .. ما فائدة الكلام إذن عن كل هذا ؟! ما فائدة أن أحزن بصوت عالِ وأغير صورة البروفايل وأسجل رأيي في كل شيء وأستشهد بحكم استشهدتُ بها من قبل وأتوعد باستكمال المسير إلى النهاية وأختم "بحق الشهداء مش هيضيع" ؟! مُتنا عندما ماتت الأشياء الجميلة فينا يا أمي !!
-
أحمد جمالأحب الصالحين ولستُ منهم