" ياعم دى حرية شخصية،واحنا بقينا في مجتمع متحضر منفتح". هذه العبارة باتت أول ما يجابه به من يحاول تذكيرنا بأننا شعب عربى له قيمه وأخلاقه التى كانت وستظل أهم ما يميزه، وان ما يحدث وما يعرض من أفعال وتصرفات باتت بعيدة كل البعد عن هويتنا وقيمنا ، فهل ما حدث من تغير في البناء الأخلاقى للمصريين يشير إلى أنه يسير من السييء إلى الأسوأ؟ وهل الأزمة الاقتصادية تمثل أحد الأسباب الرئيسية في تراجع أخلاق المصريين؟ أم أن ضعف الوازع الديني هو السبب في هذا التغير؟ أم هناك أسباب أخرى تتعلق بحيز ممارسة الحريات العامة والشخصية وفهم الأفراد لها وتعامل النظام معهم؟
الداع لهذه الكلمات هو استمرار تناول مواضيع لم يكن يتصور تناولها أو الحديث عنها إعلاميا ومجتمعيا وقضائيا بالتأكيد، والمؤكد أن الإعلام يلعب الدور الأكبر فى توجيه فكر المجتمع نحو ما تريد الرؤية السياسية، حتى إن موضوعات تتحول للإلهاء بعيدًا عن قضايا أساسية، ربما ضمن هذه الموضوعات خناقات راقصة مع رئيس ناد وسيارات الفنان الفلانى"ورقصة كيكى"وخلافه.
والحقيقة أن هناك إشكالية بين السياسة والدين ومنظومة القيم، فالدين إن صح التعبير هو منظومة من القواعد المنظمة لعلاقة الإنسان بالله والآخر، تستمد قوتها من مصدرها وهو الله سبحانه وتعالى، أما السياسة فهى فن وعمليات إدارة الدولة والمجتمع واجتهادات وقواعد يجيدها المهتمون بالعمل العام والمفوضون لتحقيق أهداف المجتمع.
والمسافة بين الدين والسياسة تسمى المسافة بين النسبى والمطلق، وهى مسافة لا يمكن عبورها أو اختزالها، فالدين في نفس معتنقيه هو مجموعة من الحقائق المطلقة المستمدة من كونها تعليمات أو تشريعات إلهية، أما كل الآراء والقواعد والرؤى السياسة فهى اجتهادات بشرية تكتسب قوتها ومصداقيتها من مدى موافقة الناس عليها وثقتهم في تحقيق مصالحهم وأهدافهم.
وبين الدين والسياسة مسافة شاسعة وفي هذه المسافة تقع منظومة القيم الاجتماعية والدينية بأولوياتها وتنوعها، وفى تحليلنا للمشهد الحالى بالنسبة لإثارة مواضيع مثل التى أشرنا لها ، نجد أنه استغلال واستهلاك إعلامى يراد به باطل، والتساؤل هو لماذا هذا الوقت بالتحديد لإثارة مثل هذا الموضوع وإحداث انقسام حوله، ومثل هذا الأمر وحكمه محسوم ومعروف ومستقر في وجدان المجتمع العربي أنه من الأفعال المنافية للعادات والتقاليد الاجتماعية وللطبيعة الأخلاقية التى تعود الناس عليها.
إن للنفس الإنسانية شهوات ومتطلبات مختلفة كالجوع يجب إشباعها بشكل نظامي وعدم كبتها أو إطلاقها بلا ضابط كي لا يحصل انفجار فوضوي، يؤدي إلى صراع يمزق الأواصر الإنسانية بين أفراد المجتمع الواحد ويهد كيانه.
وأحسب أن خطوات مهمة للإصلاح الاجتماعي بهدف تعزيز وتعميق المفاهيم الأخلاقية في عقول ونفوس الأفراد أهم من تكرار التناول لمواضيع تافهة ومبتذلة لا يقدم من يثيرها سوى الالهاء وصرف الناس عن قضايا أهم
فعلى عاتق الآباء والأمهات تقع مسئولية تربية وتوجيه الأبناء وإيصالهم إلى حالة النضوج الفكري والعاطفي فينتقل عندها من طور الانضباط بواسطة الآخرين إلى طور الانضباط الذاتي، وبذلك يعمل أفراد المجتمع على الحفاظ على القانون من منطلق احترام دوره وليس خوفا من بطشه، فيكونون عونا وسندا له لحماية قيم المجتمع.
وعلى الدولة تبني مشروع توفير فرص العمل الشريفة، ورفع دخل الفرد وتهيئة سبل الزواج المريحة للشاب في مقتبل العمر، والتوجيه الإعلامي الأخلاقي دون أن يغلب الطابع التجاري على الأعمال التلفزيونية والسينمائية فتركز على الإثارة والتشويق والنهاية السعيدة، مع هزالة النصوص المكتوبة وركاكة المفاهيم القيمية المعروضة وسطحيتها.
وعلى البرلمان تشريع القوانين الهادفة للحفاظ على ديمومة احترام الأخلاق من قبل أفراد المجتمع لتوفر قوة رادعة لمحاسبة المتجاوزين، فالقوانين لا تكافئ الملتزم بها لذا فالقوانين لا تصنع أخلاقا ولكنها تحافظ عليها وتحميها من عبث المتجاوزين، ومع تغير حاجات الشعوب وتطور مداركها الفكرية تنشا أعراف أخلاقية جديدة مما يستدعي تشريعات قانونية جديدة، لذا ليس كل ما يصلح للغرب يناسبنا.
-
مجدى عبد الرحمنالمدير التنفيذي للمعهد الديمقراطي المصري للتوعية بالحقوق الدستورية والقانونية رائد بمعهد الفضاء المدني عضو مؤسس بمنتدى الممارسة الافتراضية